سناء الجاك

"العروبة والمبادئ... بلا أسقف أو ضوابط"

17 كانون الثاني 2024

02 : 00

يقول الخبر إنّ الولايات المتحدة قررت، استثنائياً ولشهر واحد فقط، تمديد مساعداتها لدعم رواتب أفراد وضباط الجيش اللبناني. وبعد ذلك... على الله. وليس الجيش اللبناني وحده على الله في هذه الدولة العاجزة، ما دام محور الممانعة هو صاحب السلطة والناطق الرسمي باسم لبنان.

والذي لا يصدق، يكفيه أن يقطع الشك باليقين، وينصت إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في مستهل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وهو يقول إنّ «الحديث عن التهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي انطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا، ونطلب أن يُصار في أسرع وقت ممكن إلى وقف النار في غزة بالتوازي مع وقفه في لبنان».

وفتى العروبة الأغر، وإن لم يوضح ماهية «المبادئ»، التي تفرض تقييد لبنان من جديد ميدانياً وعسكرياً بحرب غزة، إلا أنّ قوله هذا ما هو إلا استلحاق لما كان بدأه سابقاً في إنكاره قدرته كرئيس لحكومة تصريف الأعمال على التحكم أو حتى التأثير من بعيد على قرار الحرب والسلم في لبنان.

فهذا القرار ليس في يد الدولة اللبنانية، ومجرد السؤال دفعه إلى الاستغراب، وكأنّ السائلة تعيش في جزيرة كوراساو وسط المحيط الأطلسي وليس في لبنان. فهو يعرف حدّه ويقف عنده، لأنّ ما بيده حيلة في مثل هذه المسائل الخارجة عن صلاحياته.

وبالطبع، سيكون في قمّة السذاجة والغباء من يعتبر أنّ قرار الحرب والسلم في لبنان يجب أن يبقى ضمن صلاحيات الدولة بحكومتها حتى عندما تُصرِّف الأعمال، وتحديداً إذا ما ألمّت بالبلاد ظروف استثنائية. حينها يتسم عمل مثل هذه الحكومة بصفة الضرورة القصوى والمحافظة على المصلحة العليا. ولكن حتى في القاعدة والاستثناء، الوضع في لبنان مغاير لكل منطق ولكل اجتهاد عقلاني لملامسة ماهية الدستور.

ولا عجب أن يصبح التهرّب من الواجبات الوطنية هو القاعدة، وأن يبتلع أولاد المنظومة، من كبيرهم إلى صغيرهم ألسنتهم، وألّا يجدون سبباً لمواجهة الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله، وهو يعلن أنّ «الحزب جاهز للحرب مع إسرائيل منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل 99 يوماً»، مؤكداً أنّ جماعته «ستُقاتل في هذه الحرب من دون أسقف أو ضوابط».

والأصح أنّ جماعته ستلتزم بالاستراتيجية الإيرانية، كما دأبت، سابقاً، وأينما كان بمعزل عن الجغرافيا، ولو استدعى الأمر وصولها إلى كوراساو. ذلك أنّ مصلحة رأس الجماعة ومرشدها الروحي تقتضي في هذه المرحلة «تفقيس» الجبهات الجانبية على هوامش الجبهة الرئيسية في غزة، وأن تنمو حروب صغيرة تحت حجة «المقاومة المشروعة»، تفرد لها مكاناً على طاولة المفاوضات، عندما يحين أوانها.

فالواضح أنّ إيران التي تتعامل باستراتيجية الصفعات المتبادلة مع الولايات المتحدة في إطار الحرب بالوكالة، تدفع المنطقة إلى حافة الانفجار، وتتحكم بالصواعق. ومنذ عملية «طوفان الأقصى» وإمعان إسرائيل في حربها لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره مرة جديدة، يصر المسؤولون الإيرانيون على أنّ فصائل «محور المقاومة» تعمل بشكل مستقل وتأخذ قرارها من دون الرجوع إلى القيادة.

وفي هذه المقولة ما يثبت مرجعية «القيادة» التي تضع من يأتمرون بأوامرها خارج سياق الالتزام بوطن ودولة ومؤسسات.

و»حزب الله» لا يخالف التزامه، عندما ينفّذ استراتيجية هذه «القيادة»، ويلغي الدولة اللبنانية، ويعمل مستقلاً عنها ويصادر سيادتها وينسف القاعدة والاستثناء وينفذ سياسات رأس محوره في حين يستمر أولاد المنظومة في الخضوع لمقاييس من ينتهك صلاحياتهم وسيادة دولتهم ويتخلون عن مفهوم الوطنية من أساسه، ويخضعون لمعادلة «بلا أسقف أو ضوابط» بحجة غيرتهم على «العروبة والمبادئ» التي لا تمت إليهم بصلة قرابة.

MISS 3