جو حمورة

شمال سوريا... صراع تركي - كردي متجدّد بلا أفق

18 كانون الثاني 2024

02 : 00

خلال إطفاء حريق شبّ في محطّة للطاقة في القامشلي جرّاء ضربة تركية الإثنين الفائت (أ ف ب)

تتشابك خيوط الصراع شمال سوريا لتنسج مأساة إنسانية معقّدة جديدة، حيث تتصادم المصالح ويتمّ تجاهل الحقوق الإنسانية على أرضٍ تحمل عبء التاريخ والطموحات الإقليمية. فمِن جهة، يقف القلق على محيّا القضية الكردية، ويحمل في طياته أحلام الحكم الذاتي والاستقلال الذي يبدو بعيد المنال تحت وطأة التدخّلات الخارجية وخوف الدول الإقليمية من تمدّد النفوذ الكردي. ومن جهة أخرى، تعلو صيحات القلق الأمني التركي، إذ ترى أنقرة «وحدات حماية الشعب» الكردية المسيطرة على شمال شرق سوريا بمثابة امتداد لـ»حزب العمال الكردستاني» المحظور، وتخشى تحوّل المناطق الحدودية إلى قواعد لشنّ الهجمات ضدّها. تتعقّد الأمور أكثر مع دخول الولايات المتحدة الأميركية حلبة الصراع، لتلعب دورها الداعم لـ»وحدات حماية الشعب» في إطار تحالفهما ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات الإرهابية الأخرى. هنا، تختلط الأوراق وتتقاطع المصالح، فتُصبح «وحدات حماية الشعب» شريكاً أميركيّاً مهمّاً في حرب طاحنة ضدّ الإرهاب، فضلاً عن أنّها تُصوّر في الغرب كقوّة مؤثرة يُمكن استثمارها لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو ما يُزعج تركيا كثيراً.

ولكن، ما الذي أشعل فتيل الصراع مجدّداً في الآونة الأخيرة؟ التصعيد العسكري التركي عبر الحدود استهدف مواقع «وحدات حماية الشعب»، وهو بمثابة إجابة عنيفة عن المخاوف الأمنية التركية المتصاعدة. لا شكّ في أن ذلك ألقى بظلال ثقيلة على المنطقة، وزاد من عدد الضحايا والخسائر المادية والمعنوية، إذ لم تسلم البنية التحتية الحيوية في شمال سوريا، بما في ذلك محطات الكهرباء ومحطات ضخّ المياه ومصافي النفط، من الضربات الجوية التركية.

أدّى القصف التركي إلى نزوح آلاف المدنيين من منازلهم بحثاً عن الأمن والأمان، ما يزيد الضغط على المخيّمات المكتظّة أصلاً بالسكان الذين نزحوا خلال العمليات العسكرية السابقة. كما تزايدت المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين القوات التركية والقوات الكردية، وهو ما قد يؤدّي إلى زعزعة الاستقرار الهشّ الذي تشهده المنطقة، وفتح المجال أمام عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيره من الجماعات المتطرفة.

المُبرّر التركي للأعمال العسكرية الأخيرة هو التالي: مقتل 9 جنود أتراك في هجوم على قاعدة عسكرية تركية شمال العراق في 12 كانون الثاني الحالي، تبعه اتهام أنقرة لـ»حزب العمال الكردستاني» بالمسؤولية عن الهجوم، وهو ما نفاه الحزب. لم تكترث تركيا للنفي الكردي، فأطلقت نيران مدافعها وصواريخ طائراتها نحو الأكراد في سوريا. أمّا الحقيقة، فهي تذكير سياسي تركي بأنّ أي تسوية للحرب في سوريا يجب أن تشملها، فيما تستفيد أنقرة من غياب أي رادع عسكري لتحرّكها، وأي تغطية إعلامية جدّية لأفعالها طالما كلّ العالم «ملتهٍ» بقطاع غزة.

فإلى أين يتّجه هذا الصراع المُحتدم؟ الإجابة، للأسف، لا تحمل بشائر السلام وسط غياب أي أفق لحلّ قريب. فغياب مؤشّرات إلى استعداد الأطراف المتحاربة للتوصّل إلى حلّ سلمي يجعل استمرار المناوشات هو السيناريو الأقرب للتحقّق. وضمن هذه المعادلة الصعبة، يبرز احتمال تمدّد النزاع بين تركيا والأكراد إلى العراق ومناطق جديدة في سوريا، وحتّى إلى داخل تركيا، حيث هناك قاعدة شعبية ناشطة تدين بالولاء لـ»حزب العمال الكردستاني»، على أن ينتهي النزاع بعد حين، وكالعادة، بتسوية توقف إطلاق النار ولا تُنهي النزاع.

إن تجاهل العالم ما يجري في شمال سوريا لن يؤدّي سوى إلى استمرار حمّام الدم وتفاقم الأزمة الإنسانية هناك. ليس كلّ الشرق غزة وإسرائيل وما بينهما... الأكراد في شمال سوريا يموتون كذلك.

MISS 3