غادة حلاوي

الإهتمام الدولي بالإستحقاق الرئاسي... إلى تراجع؟

السفيرة الأميركية ليزا جونسون لدى وصولها إلى عين التينة (فضل عيتاني)

يتقدّم الميدان على البحث الرئاسي. حتى الموفدون الدوليون تحوّل اهتمامهم إلى جبهة الجنوب ولم يعد الإستحقاق الرئاسي شغلهم الشاغل لأنّه صار ملحقاً بنتائج الحرب ومرحلة ما بعدها. ليس غريباً، فحرب غزة طوت صفحة حرب أوكرانيا فتراجعت عن جدول الاهتمام الدولي.

استناداً إلى رسائل الموفدين النشطين على خط لبنان، فإنّ الملف الرئاسي تراجع ولم يعد مدرجاً على جدول أعمالهم مقابل أولوية ضمان الأمن على الحدود الشمالية لإسرائيل والتي كان آخرها ما حمله الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من إقتراح لوقف النار فكان الجواب جازماً أنّ تنفيذ هذا المطلب مرتبط بوقف الحرب على غزة، فكيف اذا كان الموضوع متصلاً برئاسة الجمهورية التي لم يعد ذكرها وارداً الا في كواليس المسؤولين واجتماعاتهم الداخلية وعلى سبيل الدردشة واستعراض الوضع من وجهته المسيحية ومحاولات من هنا وهناك لفتح الأبواب المغلقة بين رؤساء الأحزاب والكتل النيابية. لكنها حركة هادئة وبطيئة لا يُبنى عليها. حتى كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخير لم يأت في سياق مستجد بل مجرد رسالة لمن يعنيهم الأمر.

فسّر كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري من أن لا مرشح الا سليمان فرنجية على أنّه بمثابة صد الأبواب تجاه ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون الذي لا يزال اسمه متداولاً لدى بعض الوسطاء الإقليميين لكنه خيار مستبعد في حسابات بعض الفاعلين في الملف على اعتبار أنّ قائد الجيش نال نصيبه من التمديد فيما للرئاسة حسابات أخرى أهمها الحاجة إلى تعديل دستور غير متفق عليه. في رأي أصحاب وجهة النظر هذه أنّ جلسة التمديد بعد التفكير بروية وهدوء لا يمكن أن تشكل بداية مسار لقائد الجيش باتجاه بعبدا، فالحضور من النواب وإن كان كبيراً إلّا أنّ التصويت لا يمكن أن يشكل مؤشراً لتعديل دستوري لصالح قائد الجيش لأنّ خطوة كهذه لها حساباتها واعتباراتها حتى لدى «حزب الله» الذي لا يزال متمسكاً بترشيح فرنجية كما شريكه في الثنائية، إلى أن يختار بنفسه الإنسحاب وحينها سيكون الإتجاه في التفكير نحو خيار ثالث.

لكن، سواء كان ترشيح فرنجية أو قائد الجيش أو أي خيار ثالث فإنّ البت بالموضوع الرئاسي لن يكون الا بعد حرب غزة أي أنّه سيكون ضمن تسوية شاملة محلية إقليمية تتوقع مرجعية نيابية أن تولد في الربيع القادم كحد أقصى. أمّا من ناحية «حزب الله» فأوساطه تستغرب الحديث عن مقايضة بين الرئاسة وتنفيذ القرار 1701 وتهدئة جبهة الجنوب اللبناني. لا يعرف من أين انطلقت فرضية كهذه لم يسبق وأن فوتح بشأنها من أي من الموفدين الساعين على خط وقف الحرب. طرح كهذا غير موجود في حسابات «حزب الله» ولا يعتبره قابلاً للنقاش من أساسه ويراه إهانة لدم الشهداء وللمهجرين قسراً من قراهم الجنوبية المحاذية.

من وجهة نظر مسيحية فإنّ حرب غزة ليست الا حجة، ذلك أنّ الشروط الداخلية غير متوفرة بعد للإنتخابات الرئاسية، حيث لا غطاء سياسي ولا غالبية 86 صوتاً. كان أغلب الظن أنّ تفاهم بري مع «القوات» والذي أنتج التمديد يمكن أن يسري مفعوله رئاسياً، لكن حسابات بري الرئاسية مختلفة تماماً وهو من المؤيدين لمقوله أنّ قائد الجيش نال قسطه بالتمديد ونقطة على السطر.

المراقبون المتابعون لدقائق الأمور يعتبرون أنه مهما بلغت درجة التسويات الخارجية، فإن لم تتوافر العوامل الداخلية للتوافق فلا رئيس، وعلى ما يبدو لغاية اليوم، لا يوجد ضوء أخضر لفرنجية من الكتل المسيحية الكبرى، أضف إلى ذلك أنّ النائب السابق وليد جنبلاط يشترط موافقة احدى الكتلتين المسيحيتين على أي مرشح وهو قال إن لا خلاف بينه وبين فرنجية ليعارض ترشيحه سوى أنّه لا يحظى بدعم مسيحي لانتخابه. وبالتالي فإنّ المناسبة التي جمعت الشخصيتين بقوة دفع من صديق مشترك لم تشكل محطة مفصلية رئاسياً، لوجود قناعة أن أي مرشح وإن انتخب بغالبية 65 صوتاً بلا دعم كتلة مسيحية أساسية فلن يتمكن من الحكم، وقد كانت ولاية الرئيس ميشال عون خير برهان على ذلك. عاملان أساسيان في انتخاب فرنجية يدركهما الثنائي هما الدعم المسيحي ودعم المملكة السعودية ومن دونهما لا رئيس، ولهذا فإنّ البحث الرئاسي سيبقى من باب التكهنات سواء تم تبرير ذلك بربطه بحرب غزة أم لا. وكما هو واضح فقد تحولت غزة إلى شماعة لتأجيل الإستحقاقات المهمة بينما العقد الداخلية لا تزال على حالها.