رامي الرّيس

آن أوان وقف الحرب

18 كانون الثاني 2024

02 : 00

لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركيّة أن تواصل سياسة الانحياز الأعمى لإسرائيل وأن تلهث لتطبيق شعار «منع توسعة الحرب في الشرق الأوسط»، رغم أهميّة الشعار وعدم احتمال المنطقة، أو العالم، انفجار حرب جديدة قد تؤدي إلى توتر على الصعيد الدولي وتخرج فيها الأمور عن السيطرة تماماً.

ولا يستطيع الرئيس الأميركي جو بايدن أن يغض النظر تماماً عن الجرائم الإسرائيليّة المتواصلة في قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهي بمثابة إبادة جماعيّة وأن يصدر بياناً لمناسبة مرور مئة يوم «على اختطاف حركة «حماس» للرهائن الإسرائيليين»، متغاضياً تماماً عن عشرات الآلاف من القتلى الذين سقطوا في غزة فضلاً عما يزيد من خمسة آلاف أسير فلسطيني في الضفة الغربيّة والأراضي المحتلة وبعضهم يمضي سنوات في السجن وفق صيغة ما يُسمّى «الاعتقال الإداري» من دون محاكمة.

إنه بيان مخزٍ لأنّه لم يأت على ذكر كل المآسي الفلسطينية، ولأنّه لم يُشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى وقف إطلاق النار، مجدداً الغطاء لإسرائيل لمواصلة سياسة الإبادة الجماعيّة التي تمارسها منذ السابع من تشرين الأول الماضي من دون هوادة.

ولا تستطيع واشنطن أن تتشارك مع لندن في قصف اليمن ومواقع أخرى وتنادي في الوقت ذاته بخفض التصعيد، ولو أنها تعتبر أنّ ما تقوم به هو بمثابة ردّ على اعتراض حركة الملاحة البحريّة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين. بمعنى أنه من الصعب أن تطلب الأمر وتمارس عكسه في الوقت ذاته.

زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت لا تخرج عن الإطار ذاته، ولو أنّ عدم توسعة الحرب هو مصلحة وطنيّة لبنانيّة خالصة، والطريق الأقصر لتحقيقها هو في ردع إسرائيل عن مواصلة حربها المسعورة في غزة، ووقف الأعمال العدائيّة في جنوب لبنان، ولعل الطريق الأقصر لذلك يكون بإعادة تعويم القرار 1701 الذي ساهم، مع عوامل أخرى، في استقرار الجنوب على مدى سنوات طويلة.

واضحٌ أنّ الأهداف التي أعلنتها إسرائيل من عمليتها العسكريّة في قطاع غزة لم تتحقق، إذ إنّها لم تتمكن من القضاء على حركة «حماس» التي لا تزال تمطر الأراضي المحتلة بالصواريخ، كما أنّها لم تستطع الإفراج عن أسير واحد خارج إطار الصفقة اليتيمة التي تمت منذ أسابيع، لا بل هي تقتل أسراها من خلال قصفها المتواصل لقطاع غزة من دون انقطاع منذ مئة يوم.

أما الطروحات السياسيّة حول «اليوم التالي»، فهي أيضاً لم تنضج بعد في ظل الرفض الأميركي لإعادة إحتلال غزة، وهو الخيار الذي لا يبدو أنّ إسرائيل قادرة أصلاً على تنفيذه، وها هي تسحب بعض قواتها من القطاع على وقع المقاومة الشديدة و»إصطياد» كتائب القسّام للدبابات والمشاة وسائر القطع العسكريّة الإسرائيليّة التي منيت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بخسائر هائلة وغير مسبوقة في كل حروبها السابقة مع العرب.

كما أنّ خيار تهجير الفلسطينيين من غزة واجه سداً منيعاً من الرفض المصري والفلسطيني على حد سواء، وقد وصل الأمر بالفلسطينيين إلى حد القبول بالموت على تكرار تجربة النزوح الجماعي بما يشبه التكرار الدراماتيكي لنكبة 1948. وها هي واشنطن قد عدلت من خطابها بعد أن أضافت رفض التهجير كأحد الحلول المستقبليّة للحرب في غزة.

خفض التصعيد يبدأ بإقناع واشنطن لحليفتها المدللة أن هذه الحرب المجنونة لا بد أن تتوقف، وأن تتوقف فوراً لأنّ استمرارها هو استمرار للقتل الجماعي والمجاني دون أي ترجمة سياسيّة لها. فما معنى الحرب ما لم تُترجم نتائجها في السياسة؟ آن أوان وقف الحرب.

MISS 3