السفير د. هشام حمدان

البحث عن السّلام بين الأوهام والإرادة الفاعلة

24 كانون الثاني 2024

02 : 00

اللّبنانيّون، بما في ذلك أهلنا في جنوب لبنان، يريدون السّلام.علينا أن ندرك أنّ وطننا، لم يدخل عمليّة سلام حقيقيّة حتّى الآن. فالسّلام الأهلي لم يتحقّق. والسّلام الإقليمي، بمعناه المشروط، (كما في اتّفاقيّة الهدنة مع إسرائيل لعام 1949)، أو بمعناه الخاضع لإلتزامات تعاقديّة، كما هو الحال في التزامنا ميثاقيّ جامعة الدّول العربيّة، والأمم المتّحدة، غير قائم. ما زال وطننا خاضعاً لإرادات خارجيّة تخنق حقّه في ممارسة السّيادة.

إنتهت الحرب الباردة. لكنّ لعبة النّظام الإقليمي للشّرق الأوسط، ما زالت مستمرّة. تطوّرت هذه اللّعبة كثيراً، منذ انتهاء صراع القطبين على أراضيها. باتت واشنطن وحلفاؤها، يمسكون بكافّة خيوط اللّعبة. اعترفت واشنطن، أنّها أخطأت عندما تركت صناعة السّلام في لبنان، وتطبيق اتّفاق الطّائف، لقيادة الدّيكتاتور حافظ الأسد. لكنّها، لم تسع إلى تصحيح هذا الخطأ.

إلتأم مجلس الأمن في كانون الأوّل 1992، على مستوى القمّة. طلبت هذه القمّة من أمين عام الأمم المتّحدة، تقديم تقرير عن المبادئ الواجب مراعاتها، لتحقيق مهمّة مجلس الأمن الأساسيّة في حفظ الأمن والسّلم الدّوليّين. تقدّم الأمين العامّ عام 1993، بمفكّرته من أجل السّلام، تضمّنت أربعة مبادئ. لكنّه سرعان ما تنبّه إلى حالة دوليّة قائمة، تتعلّق بالدّول التي تعرّضت للحروب، ولا سيّما، الحروب الأهليّة، وهي 32 دولة، من بينها لبنان، فأضاف عام 1994، مبدأ جديداً تحت عنوان «بناء السّلام بعد النّزاع»، معتبراً أنّه مبدأ أساسيّ من المبادئ التي يجب مراعاتها، لتحقيق مهمّة حفظ الأمن والسّلم الدّوليّين في العالم.

تبنّى مجلس الأمن هذه المبادئ، وأقام بالتّعاون مع الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، فرق خبراء، يحدّدون العناصر التّفصيليّة الواجب العمل على ضوئها، لتحقيق هذه المبادئ. شاركت باسم لبنان، بفريق الخبراء المتعلّق بمبدأ «بناء السّلام بعد النّزاع». وقد أمكن فعلاً عام 1996، وضع العناصر الأساسيّة الضّروريّة لإعادة بناء السّلام في مثل تلك الدّول، ومن بينها لبنان. لعل أهمّ هذه العناصر، هو مساعدة الأمم المتّحدة للدّولة المعنيّة، على إقامة حكومة منتخبة ديمقراطيّاً بإرادة شعبيّة حرّة، تعمل على حماية سيادة البلاد، وتقيم الإصلاحات المنشودة، آخذة بالإعتبار الأسباب التي أدّت إلى الحرب.

لم تكن الدّيمقراطيّة مسألة مستحدثة في لبنان. فهي في صلب الدّستور اللّبناني. كما أنّ اللّبنانيّين، صاغوا في اتّفاق الطّائف، البنود الإصلاحيّة التي تزيل عوامل الإنقسام بينهم. الخطأ الأميركي بعد اتّفاق الطّائف، أوقف العمل بمفهوم بناء السّلام بعد النّزاع في لبنان. والأسوأ من كلّ ذلك، أنّ اللّبنانيّين أنفسهم، لم يعلموا بهذا الحقّ الذي يملكونه في وجه واشنطن، والعالم.

ستخرج كالعادة، أصوات من بيننا، تقول لنا، أين هو ما يسمّى «الأمم المتّحدة»؟ مثل تلك الأصوات تخدم سياسة القوّة العظمى في واشنطن، وغيرها. قال الرّئيس نيكسون، كقائد للقوّة العظمى التي أفشلت الأمم المتّحدة، قبل زيارته عام 1972 إلى الصّين: «لتذهب الأمم المتّحدة إلى الجحيم. ما هي الأمم المتّحدة، على أيّ حال؟ إنّها مجتمع مناظرة. ما فائدة ذلك»؟

أمّا ترومان، الذي كان يتحدّث باسم بلده العظيم، كخليفة لصانع الأمم المتّحدة، الرّئيس روزفلت، فقد رفع يده في مؤتمر سان فرنسيسكو، محذّراً من إفشال ميثاق الأمم المتّحدة، أو استخدامه بشكل أنانيّ، لصالح أيّ أمّة واحدة، أو أيّ مجموعة صغيرة من الدّول، فتلك هي خيانة لدماء الذين ماتوا من أميركيّين وغيرهم، لكيّ يفوز العالم بالسّلام، وينطلق في التّنميّة الإقتصاديّة، والإزدهار.

يجب وقف وهم تغيير سياسة القوّة العظمى في واشنطن. قبولنا بوساطتها بيننا وبين إسرائيل، التي تأسر صنع القرار فيها، خيانة لإلتزاماتنا بموجب ميثاق الأمم المتّحدة. المفاوضات الجارية، ليست بين لبنان وإسرائيل، بلّ بينها وبين إيران، عبر حزبها الذي تفرضه في بلدنا. نريد فعل إرادة وطنيّة سياديّة، تفرض على واشنطن العودة إلى دورها كبلد عظيم. لنطالب بمراجعة القضاء الدّولي. هذا فعل إيمان بميثاق المنظّمة التي جاء بها البلد العظيم. لنطلب من أمين عامّ الأمم المتّحدة تفعيل المادّة 36 من الميثاق، وإحالة تحديد حدودنا الجنوبيّة، المعترف بها دوليّاً، إلى محكمة العدل الدّوليّة. ولنطلب من مدّعي عامّ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، تفعيل المادّة 8 مكرّر لوقف عدوان إيران على سيادتنا الوطنيّة.

MISS 3