جوزيف حبيب

"درّاجة" هايلي و"دبّابة" ترامب!

25 كانون الثاني 2024

02 : 01

ترامب مخاطباً أنصاره في ناشوا مساء الثلثاء الفائت (أ ف ب)

لم تتمكّن سفيرة واشنطن السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي من إحداث مفاجأة وإلحاق هزيمة بالرئيس السابق دونالد ترامب في «ساحتها المفضّلة» نيوهامشير، حيث وضعت كلّ ثقل حملتها الانتخابية، وكان رهانها كبيراً على «تصدّر المشهد» بدعم من أصوات المستقلّين المعتدلين الذين يحقّ لهم التصويت في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في «ولاية الغرانيت» الأقلّ تديّناً في أميركا.

إنتصر ترامب بفارق 11 نقطة على هايلي، واضعاً الحاكمة السابقة لولاية كارولينا الجنوبية في موقع حرج على «طاولة الشطرنج» الجمهورية، يسبق خطوة «كش ملك» القاتلة. استلهمت هايلي معنوياتها من شعار نيوهامشير الشهير «عش حرّاً أو مت»، رافعةً تفاؤلها ومعزّزةً تصميمها على الاستمرار في «حلبة الملاكمة» على الرغم من «ضربة التاريخ» القاضية التي لم تخذُل سابقاً أي مرشّح جمهوري فاز في ولايتَي أيوا ونيوهامشير من انتزاع بطاقة ترشيح حزب «الفيل» للرئاسة.

يرى كثيرون أنّ هايلي اختارت مع داعميها مقارعة الرئيس الجمهوري السابق في «معركة خاسرة»، بينما تُحاول المرشّحة الجمهورية الأخيرة في مواجهة ترامب «الاستثمار» في الاستطلاعات التي تُفيد أنّ غالبية الأميركيين لا يُريدون خوض «مباراة العودة» بين ترامب والرئيس الحالي جو بايدن الذي بدأ يُهيّئ «ماكينته الانتخابية» لهذا السيناريو بالذات، بعدما فاز بسهولة في تصويت غير رسمي لحزب «الحمار» في نيوهامشير، رغم رفضه ظهور اسمه في بطاقة الاقتراع.

تعمد هايلي إلى تعميق مخاوف الناخبين الجمهوريين القلقين من احتمال فشل ترامب في المعركة الرئاسية على الصعيد الوطني، وتُمعن في تصويب سهامها على سنّه وقدراته العقلية، مستغلّة احتمال توجيه إدانات جنائية للرجل «المأزوم قانونيّاً» مع مواجهته حتّى اللحظة 91 تُهمة جنائية، وانعكاسها «الثقيل» عليه شعبيّاً إذا ما حصل هذا الأمر قبل «العرس الرئاسي» المرتقب.

طريق ترامب لنيل الترشيح الجمهوري لخوض السباق نحو البيت الأبيض معبّد أمامه. وما يُسهّل مهمّته أكثر أنّ هايلي لم تُسجّل اسمها لخوض منافسة نيفادا في 8 شباط وتنتظرها «مبارزة قاسية» في مسقط رأسها كارولينا الجنوبية في 24 من الشهر ذاته، حيث يتقدّم ترامب عليها في هذه الولاية المحافظة بفارق مريح، حاصداً دعم معظم الوجوه الجمهورية المؤثرة هناك، ومن بينها شخصيات كانت حليفة لهايلي.

يتسلّح ترامب بتأييد معظم المرشّحين الجمهوريين المنسحبين له، وبتجربته الناجحة اقتصاديّاً في المكتب البيضوي، وبأنّه رجل واضح وصادق يلتزم تطبيق وعوده الانتخابية عندما تحين ساعة الاستحقاقات السياسية، مكرّراً تذكير قاعدته اليمينية بمقاربته الحازمة تجاه الهجرة والحدود والأمن والحقّ في حمل السلاح والحرّيات الدينية و»الحرب الثقافية» وملف الطاقة، في وقت يلوّح فيه بايدن بـ»سيف» الحق في الإجهاض في وجه خصمه اللدود في محاولة لـ»قطع» حظوظه في التربّع مجدّداً على «عرش واشنطن».

يجهد بايدن في تحذير الأميركيين من المخاطر التي يطرحها ترامب على الديموقراطية والحرّيات الفردية. لكنّ مواظبته هذه انتكست في فرجينيا الثلثاء الفائت مع مواصلة محتجّين مناصرين للقضية الفلسطينية مقاطعة خطابه واضطراره للتوقف مراراً عن الكلام، ما يُعيد إلى الواجهة معضلة بايدن الشائكة التي تحول دون ترميم علاقته بشريحة من «القاعدة الديموقراطية»، قد تُكلّفه خسارة ولايات متأرجحة حاسمة.

الوقت كفيل وحده بثني هايلي عن استهلاك عجلات «درّاجتها الهوائية» واتلافها في مكابدتها نيل «ترشيح ثمين» بالنسبة إليها كإمرأة من أصول هندية، يبدو اليوم أكثر فأكثر بعيد المنال عن قبضتها. حتّى أن كبار داعميها الماليين يُمكنهم «إجهاض» حملتها قبل خوض أي استحقاق جديد إذا ما أرادوا ذلك، فيما تسير «دبّابة» ترامب الرئاسية «الشديدة التصفيح» وسط «حقل ألغام» قانوني وقضائي... لن يستطيع تدمير «منظومة جنازيرها» الصلبة التي تُسيّرها، إلّا بالسجن أو بـ»أزمة صحية» أو بالموت أو بخسارة «منازلة» 5 تشرين الثاني.

MISS 3