جمال عزام

"شوف جبران... راجِع مع جبران"

العهد قتل نَفسَه بنفسِه...

3 آب 2019

المصدر: نداء الوطن

02 : 20

باسيل في السراي الحكومي (أرشيف - رمزي الحاج)

آمال كثيرة عُلّقت على العهد الذي سمّاه أصحابه "العهد القوي"، خصوصاً انه وصل بعد عامين ونصف العام من شغور في منصب الرئاسة الأولى، وانعكس شللاً في المؤسسات كافة. وعندما تسأل أين أصاب العهد؟ يتلعثم الجميع في الاجابة، فهذا السؤال يحتاج منجّماً مغربياً، وفق ما يقول أحد أشَد معارضيه. لكنه يسارع الى الاضاءة على مكامن اخطاء "العهد القوي" منذ انطلاقته. هنا: حَدّث ولا حرج. ويحاول إيجاز هذه الاخطاء بعدد من النقاط، أبرزها:

الخطأ الاول: إعلان العماد ميشال عون، منذ لحظة وصوله الى رئاسة الجمهورية، انّ الحكومة الاولى ليست حكومته، بل انه ينتظر حكومة ما بعد الانتخابات النيابية لكي تكون حكومة العهد، علماً انّ تأليفها استغرق وقتاً كثيراً، وهذا خطأ كبير.

الخطأ الثاني: لم يحسم العهد الموقف عند تشكيل الحكومة بل ترك التأليف يأخذ وقتاً. "وجَرجرة" التأليف، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية، زَعزعت ثقة الناس بالعهد. وتفاقم الوضع الاقتصادي واستفحلت الصراعات السياسية، ما وَلّد انطباعاً وكأنّ العهد يؤلّف حكومته الاخيرة او انّ نهايته اقتربت. لذلك، كان عليه ان يحسم الامر ويتدخّل لتسهيل التأليف في الوقت المناسب، لا أن يتأخر التشكيل الى هذا الحد لأنه كان يفترض ان تدخل البلاد بعد الانتخابات النيابية في دينامية سياسية من دون خلافات سياسية.

الخطأ الثالث: الوضع الاقتصادي تفاقمَ كثيراً، وكان يفترض بالعهد منذ وصوله ان يبادر في اتجاه تشكيل خلية أزمة لمعالجة هذا التفاقم الاقتصادي، والّا يسمح بتفاقم الوضع الى هذا الحد. فللمرة الاولى منذ سنوات نرى اعتصامات وتظاهرات وحديثاً عن وضع مالي دقيق. وبالتالي، كان لدى العهد متّسع من الوقت بألا يسمح بتفاقم الامور، لكنها بلغت هذا الحد لأنّ الحكومة الاولى تأخّر تشكيلها، ولم يُبادر، بل كانت أولويته في مكان آخر، وكذلك تأخّر التأليف، وبالتالي أصبح الوضع كأنّه استمرار للمراحل السابقة. ولم يعد هَم اللبنانيين العهد او غير العهد بل كيف يستطيعون تأمين مأكلهم ومشربهم والمحافظة على فرص عملهم.

"راجِع مع جُبران"

الخطأ الرابع وهو الأهم، انّ العهد ترك صهره جبران باسيل يتصرّف وكأنه قائمقام الرئيس او سوبر وزير او نائب رئيس. وهذا الامر كانت له تداعيات سلبية، وذكّرَ بعبارة شهيرة نُقلت عن بري في مجلس خاص لأحد السياسيين، انه عندما زاره عون ليطلب انتخابه قبل جلسة الانتخابات الرئاسية، أجابه الرئيس نبيه بري: انا لا أنتخب رئيسين، أي "أنت وجبران". وبالتالي، تركَ العهد انطباعاً وكأنّ هناك رئيس جمهورية آخر، خصوصاً انّ عون يُحيل اي مسألة الى باسيل عندما يجتمع مع أحد، بقوله: "شوف جبران... راجِع مع جبران". وهو ما لمّح إليه رئيس "القوات" سمير جعجع في مقابلته الأخيرة بـ"قوم بوس تيريز".

إذاً، إنّ الدور الذي يؤديه باسيل ترك انطباعاً سلبياً جداً، لأنه دور سوبر وزير فوق الكل وكأنه يملك سلطة القرار. ويصطدم بالجميع في الوقت نفسه. فدوره أعطى انطباعاً انّ الاولوية هي لخلافة العهد وليس إنجاحه، ما أوصلَ الصورة الى الشكل التالي: مواجهات طائفية، ونَبش دفاتر الحرب الاهلية، وعلاقات سيئة مع القوى السياسية. تراجَع عن التفاهم مع "القوات"، وعلاقة سيئة مع الرئيس بري ومتوترة مع "الحزب التقدّمي الاشتراكي"، وأقل من جيدة مع الرئيس سعد الحريري في الفترة الأخيرة.

لم يستطع ان يكون شريكاً مع كل القوى، حتى انّ الانزعاج يسود بيئة "حزب الله" الشيعية، الذي تبنّى ترشيح عون. لكن الحزب لا يريد أن يتخلى عن الغطاء المسيحي، لكنه في الوقت نفسه غير مرتاح لتصرفات باسيل.

إضافة الى انّ وضع باسيل الديبلوماسي ليس جيداً، لا مع الاميركيين ولا مع السعودية. وبالتالي، هناك خلخلة غير مسبوقة في علاقاته.

إنطلاقاً مما تقدم، واستناداً الى كل هذه الاعتبارات، لم يستطع العهد ان يشكّل ضمانة لجميع اللبنانيين، لا على المستوى الاقتصادي ولا على مستوى الاصلاح الحقيقي ولا القضائي، بل تحول طرفاً على المستوى الامني مثلما حصل في حادثة "قبرشمون"، ولم ينجح في إصلاح ملف الكهرباء الذي "جَرجَر" كثيراً، ولم يستطع ان يعطي انطباعاً انه عهد يعمل لدولة المؤسسات على غرار الرئيس فؤاد شهاب. وفي الوقت نفسه لم يستطع ان يكون عهد الراحة والبحبوحة، بل على العكس اخذت الامور منحى أسوأ. وفشل في تأمين الضمانة السياسية، وبدلاً من التعاون مع القوى السياسية التي شكّلت ركائز ايصاله الى الرئاسة، ذهب الى محاصرة طرف وإلغاء طرف آخر وتطويق ثالث. كل هذه الأخطاء جعلت الجميع يشعرون أنهم مستهدفون في ظل هذه التسوية، وانّ هناك طرفاً واحداً يريد كل شيء له: تعيينات على قاعدة المحاصصة بعيداً من الآليات، ووضع اليد على الاقتصاد والادارة، إلى أن بلغت الأمور حداً لم يعد فيه أحد يتحمله".

إنّ العهد مأزوم وفي لحظة حرجة جداً، وفي حال لم يلتقط المبادرة، والعمل على تغيير النهج القائم، فهذا معناه أنّه يترك انطباعاً بأنّه دخل مرحلته الاخيرة.


MISS 3