مريم سيف الدين

نساء قُتلن على أيدي أزواجهن

شركاء العمر أنهوا أعمارهن

3 آب 2019

02 : 34

رنا بعينو، إمرأة جديدة ماتت وتركت خلفها تساؤلات. هل ماتت بحادث أو قُتلت كما يرجح ذووها. توفيت بعينو نهار السبت الماضي ورفض أهلها استلام جثتها قبل تشريحها، فيما قبض على الزوج ثم أطلق سراحه ليُعاد توقيفه مجددا للتحقيق معه. فالأنظار والتهم وجهت إلى الزوج الذي كان برفقة الضحية لحظة وقوع الحادثة ليل الخميس25 تموز، ولم تحسم طبيعتها بعد. إذ زعم الزوج أن زوجته سقطت من السيارة بينما كان يقودها في منطقة بحمدون بعد أن فُتِح الباب، الأمر الذي دفع بأهل الضحية للمطالبة عبر الاعلام بتحقيق يكشف تداعيات القصة. وفي اتصال مع "نداء الوطن" رفض الأب المفجوع الادلاء بأي تصريح، "فالأمور أصبحت في عهدة القضاء ولا يمكننا الادلاء بمعلومات الآن".

فيما يترقب الأهل ما سيكشفه التحقيق، أكد وكيل عائلة الضحية المحامي حبيب منصور زغيب لـ"نداء الوطن" أنه جرى توقيف أشخاص عدة يعتقد أنهم متورطون بالجريمة، لكنه لفت إلى أن «التحقيق لم ينته، وجرى تشريح الجثة، وقد صدر تقرير الطبيب الشرعي، وقررت النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان ابقاء الزوج موقوفاً لإعادة التحقيق معه». وأعلن زغيب أن المعطيات كلها ليست لمصلحة الزوج على الرغم من أنه لم يعترف حتى الآن بارتكاب جريمة، وهناك تناقض بإفادته. ولفت المحامي إلى أن الجثة لم تتعرض لجروح أو خدوش في نصفها الأسفل، "فلو وقعت من السيارة لكانت تعرضت لخدوش، وبعينو تعرضت لضربة يرجح أنها بآلة حادة في منتصف رأسها من جهة اليسار بينما سقطت من السيارة من جهة اليمين". وبناءً على هذه المعطيات يرجح زغيب أن تكون بعينو قد قتلت ومن ثم وضعت في السيارة، وأن الحادثة لم تحصل في المكان الذي قيل أنها وقعت فيه من السيارة .

واستحضرت حادثة رنا بعينو قصص نساءٍ سبقنها إلى حتفهن وقتلن على أيدي أزواجهن. جرائم سارع القتلة إلى محاولة تبريرها مستحضرين عبارة "الشرف" كمخلص لهم من العقاب. لكن الجمعيات النسائية والحقوقية أصرت على الضغط للمطالبة بالعدالة للنساء المقتولات كي تنقذ الأحياء المهددات، ونجحت في إظهار فظاعة ما عانته الضحايا قبل قتلهن، ودفعت القضاء باتجاه عدم تخفيف الأحكام بل التشدد في معاقبة الزوج المعنِّف والقاتل. وعلى الرغم من ذلك أظهرت مجريات الأمور استمرار التساهل في التعامل مع جرائم قتل النساء، حيث يصعب تحقيق العدالة إلا بعد الضغط. فيما ظلت قصص الكثير من الضحايا الأخريات بعيدةً من الأضواء، وربما لم يجد هؤلاء من يطالب بحقهن ويضغط باتجاه محاكمة شبه عادلة.

ومن الضحايا اللواتي قتلن على أيدي أزواجهن:

سارة الأمين (47 عاماً):

كمين المصالحة شظى جسدها

الثلثاء الماضي، (30 تموز) أصدرت محكمة الجنايات في جبل لبنان حكمها في قضية مقتل سارة الأمين بعد نحو أربع سنوات من وقوع الجريمة. وحكمت على زوج الضحية المتهم بقتلها، علي الزين، بالسجن 25 عاماً، هي في الحقيقة 18 عاماً و9 أشهر لأن السنة السجنية تعادل 9 أشهر.

قتلت الأمين برشقات نارية أطلقها زوجها في 19 أيار من العام 2015 وأوقف في اليوم نفسه. وكانت سارة قد اعتادت سلوك زوجها الذي كان يضربها لكنها تقدمت بدعوى ضده بعد طردها من المنزل. وعلى الرغم من الأسى الذي عاشته قبلت الأم لستة أولاد وساطة الأصدقاء ومحامي الزوج ورضيت بمصالحته وعادت إلى منزلها الزوجي. ويوم وقوع الجريمة، استيقظ الزوج فجراً ليكمل شجاره الذي بدأ مساءً مع الزوجة، ثم أطلق عليها ثلاث طلقات نارية أصابتها في يدها وكتفها. ولم يشف المشهد غليل الزوج الذي عاد وأطلق النار باتجاهها وأصابها في كل أنحاء جسدها لتفارق الحياة. فاستيقظ أولاد الأمين التي عادت إلى منزلها الزوجي لأجلهم ،على مشهد سيجدد قتلهم كل اليوم، مشهد جسد أمهم يتلقى رصاصات الأب ليسيل دمها ويملأ المكان.

رقية منذر (24 عاماً):

لم يشفع الجنين بأمه بل قتل معها

قتلها زوجها محمد منذر هي وجنينها قبل يوم من عيد الأم في العام 2014 بطلقة نارية أصابتها في صدرها. يومها لم ينقلها الزوج إلى المستشفى، بل راقبها نحو ساعة وهي تحتضر قبل أن تُنقل إلى المستشفى. ووفق ما كشفته شقيقتها بعد الجريمة، فإن رقية تعرضت قبل قتلها للتعنيف ولمعاملة سيئة من قبل زوجها الذي منعها حتى من زيارة أهلها الساكنين بالقرب منها. ما دفع برقية لأن تطلب الطلاق مراراً فكان أن حرمها زوجها من حياتها.

لم يحقق القضاء بداية العدالة لرقية، وفاجأت الهيئة الاتهامية أهل الضحية بقرارها إخلاء سبيل القاتل بعد نحو سنة و8 أشهر من ارتكابه جريمته، مقابل كفالة مالية قيمتها 20 مليون ليرة لبنانية، على الرغم من أن القرار الظني أثبت أنه قاتل. وبعد ضغوط لتشديد العقاب ضد الزوج الذي فر من وجه العدالة، ولم يحضر جلسات المحاكمة، صدر قرار في كانون الأول من العام 2016، قضى بسجن القاتل لمدة 22 عاماً، وألزمه بدفع 180 مليون ليرة لبنانيّة بدل العطل والضرر للجهة المدّعية. وعُدَّ هذا الحكم أول حكم عادل بحقّ قتلة النساء منذ صدور قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري العام 2014.



رولا يعقوب (٣٣ عاماً):

جريمة واتهام ... تبرئة وإعادة محاكمة

في تشرين الأول من العام 2018 تفاجأت الجمعيات والناشطون المتابعون لقضية رولا يعقوب بقرار محكمة الجنايات تبرئة زوجها من جريمة قتلها، بأكثرية مستشارَين بينما خالف رئيس المحكمة القاضي داني شبلي حكم الأكثرية، واعتبر أن الأدلة الواردة تؤكد تسبّب الزوج بقتل زوجته في تموز من العام 2013. يومها انتفضت الجمعيات والإعلاميون الذين تابعوا تفاصيل القضية وعلموا بنتائج التحقيقات ضد القرار وطالبوا بتمييز الحكم وإعادة محاكمة الزوج، وهو ما حصل. إذ لم يقتنع هؤلاء ببراءة الزوج بناءً على شهادات جيران أكدت أن رولا كانت تتعرض للضرب والتعنيف من قبل زوجها. وكذلك بناءً على تقارير أطباء شرعيين لم تجزم قتل رولا، لكنها لم تنف الشك. وزادت المماطلة في تشريح جثة الضحية من شكوك هؤلاء الذين اتهموا جهات سياسية بالتدخل لتبرئة الزوج. خصوصاً أنه لم يجر تشريح الجثة إلا بعد نحو ثمانين يوماً من قتل الضحية، ما لم يمكِّن الأطباء من الخروج بتقرير يحسم الشكوك. وكانت تقارير طبية سابقة قد أكدت أن السبب الرئيسي للوفاة هو نزيف دماغي حاد. ولم تكن المرة الأولى التي يبرأ فيها الزوج، ففي العام 2014 صدر عن قاضي التحقيق حكم بمنع المحاكمة عنه وإخلاء سبيله بحجّة عدم كفاية دليل الإدانة. لتعود وتصدر الهيئة الاتّهامية في الشمال في العام 2016 قراراً اتّهمت فيه الزوج بجريمة التسبّب بموت يعقوب وأصدرت مذكرة توقيف غيابية بحقه، بعد فسخها قرار منع المحاكمة عنه.

منال عاصي (33 عاماً):

تعذيب حتى الموت

فارقت منال الحياة بعد تعرضها للتعذيب والضرب لساعات على مرأى ومسمع من أمها وشقيقها وشقيقتيها الذين لم يتدخلوا لردع زوجها محمد النحيلي ومنعه من جريمته. ساعات من التعذيب والضرب والسحل والحرق بطنجرة الفاصوليا هي آخر ما عاشته القتيلة. أصوات الخلاف بالتأكيد سمعها الجيران أيضاً وفضلوا ألا يتدخلوا في الخلاف بين الزوج وزوجته. لكن الأسوأ من مرور الجريمة وسط خوف هؤلاء الشهود كان عجز فرق الإسعاف عن نقل الزوجة إلى المستشفى لتلقي العلاج بحجة أن الزوج منعهم. حتى أن العائلة لم تدعِ على الزوج، وإنما قام الأطباء في المستشفى بإبلاغ القوى الأمنية بالجريمة.

وبعد ان كانت محكمة الجنايات قد قضت بحبس الزوج مدة خمس سنوات، أي ثلاث سنوات و 9 أشهر فقط، ولأن القضية خرجت إلى الإعلام بفظاعتها، وأثارت غضب الرأي العام، فقد جرى نقض الحكم وأعيدت محاكمة القاتل وصدر حكم بحبسه مدة 18 عاماً مع أشغال شاقة.

نسرين روحانا (36 عاماً):

طرد فخطف فقتل

على الرغم من ابتعادها عن منزلها الزوجي بعد طردها منه وتعرضها للعنف المتكرر والتهديد بالقتل، غير أن زوج نسرين تبعها إلى مكان عملها، وخطفها من أمام مجمع الـ ABC التجاري تحت تهديد السلاح. حاولت صديقة نسرين إنقاذها وأبلغت الدرك، لكنها فشلت في ذلك، إذ اقتاد الزوج زوجته إلى مكان بعيد، وأطلق عليها رصاصتين ورماها في وادي نهر إبراهيم قبل أن يسلم نفسه. بعد التحقيق مع الزوج وجد الدرك جثة الضحية معلقة على شجرة في الوادي. وكانت الضحية قد حاولت حماية نفسها، وتقدمت بشكوى في المخفر لكن الشكوى لم تحمها. واتَّهمَ أب الضحية القوى الأمنية بعدم التعامل مع الموضوع بجدية. وأصدرت محكمة الجنايات في جبل لبنان ، في شباط 2017، حكمها على القاتل، جان ميشال ديب، بالسجن 25 عاماً.

السورية أ. د (42 عاماً):

تعنيف طفل يكشف جريمة قتل والدته
من الرجال من يقتل زوجته وينجو من العقاب وينجح بإيهام القوى الأمنية أنها ماتت "قضاء وقدراً". هذا ما حصل مع إحدى النساء السوريات في قبرشمون. فالمرأة قتلت في العام 2013، ولم تكتشف الجريمة حينها، بل تم تحديد الوفاة بتاريخه بسبب توقف في عمل القلب جراء صدمة التهابية حادة. ست سنوات ظلت خلالها جريمة الزوج مخفية، تابع خلالها حياته بشكل عادي وتزوج من امرأة كان على علاقة معها قبل قتله زوجته. أخفيت الجريمة، وربما تراخت القوى الأمنية في تحقيقاتها، لكن شاءت الصدفة أن تبلغ هذه القوى بتعرض طفل للتعذيب من قبل شقيق زوجة والده، لتجري تحرياتها عن والدي الطفل فتعلم بوفاة والدته وبالعلاقة الغرامية بين والده والمرأة التي أصبحت زوجته. تدقيق في صور الكشف على جثة الزوجة المقتولة كان كافياً ليتبين وجود احتقان دموي في وجهها وليعترف الزوج باقترافه الجريمة بنية الزواج من امرأة أخرى. وعلى الرغم من اعتبار القوى الأمنية الأمر انجازاً، غير أنه يطرح تساؤلاً عن أداء القوى التي كان يفترض أن تكثف تحرياتها فور وقوع الجريمة، لا بعد نحو 6 سنوات.

في اتصال مع "نداء الوطن" تعلن زويا جريديني روحانا مديرة منظمة "كفى عنف واستغلال" أن عدد النساء اللواتي قتلن على أيدي أزواجهن وعلمت بهنّ المنظمة منذ بداية هذا العام حتى شهر تموز بلغ 8 نساء، وهو عدد يقارب عدد اللواتي قتلن خلال المدة نفسها من العام 2018، "ما يعني أن هناك أكثر من جريمة خلال الشهر". لا تعلم جريديني الأسباب الأكيدة التي جعلت القضاء يتساهل في أحكامه بحق قتلة النساء قبل أن يعود ويشددها بعد الضغط. لكن جريديني ترجح حصول تدخلات سياسية، كما تلوم العقليات الذكورية في مجتمعنا والتي تؤثر في الأحكام. وتعتبر جريديني أن قانون حماية المرأة من العنف الأسري شكل رادعاً حيث صدر أكثر من 600 قرار حماية لصالح النساء، "لكن للأسف هناك نساء لا يلجأن للقانون". وترى جريديني أن المشكلة تكمن في أن قرارات الحماية التي تصدر موقتة لحين حل الأمور في المحاكم الشرعية، وتعلن أن حملتهم المقبلة ستطالب بإقرار قانون مدني إلزامي للأحوال الشخصية، من أجل حماية النساء.


MISS 3