ستيفن والت

السياسة الخارجية الأميركية لن تتغيّر مع عودة ترامب

2 شباط 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

ترامب مُلقياً كلمة أمام تجمّع انتخابي في دار أوبرا روتشستر | الولايات المتحدة الأميركية، 21 كانون الثاني 2024

ما لم تقع أحداث غير متوقعة، ستكون الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2024 عبارة عن سباق متكرر بين الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترامب. كان معظم الأميركيين يفضلون عدم ترشّح أيّ منهما، لكن لن يتحقق ما يريدونه على الأرجح في تشرين الثاني المقبل. سبق واتضحت معالم الانتخابات المرتقبة باعتبارها حدثاً محورياً ستنعكس نتائجه على الديموقراطية الأميركية وطريقة تعامل البلاد مع بقية دول العالم.



لا تبدو الاختلافات كبيرة بين المرشحَين على مستوى السياسة الخارجية. يخشى البعض اليوم أن يؤثر عهد ترامب الثاني على السياسة الخارجية الأميركية، لكن ستكون الاختلافات المتوقعة أقل مما يفترض الكثيرون. قد يبقى ترامب هجومياً، وفظاً، وسريع الانفعال، وصدامياً، لا سيما مع حلفاء واشنطن في حلف «الناتو»، بما يشبه سلوكه خلال عهده الأول. لكن قد لا يختلف عهده الجديد عن ولاية بايدن على مستويات أخرى إذا فاز بأربع سنوات جديدة في السلطة. يكفي أن نقيّم طريقة تعامل كل واحد منهما مع أهم ثلاثة ملفات في مجال السياسة الخارجية اليوم: أوكرانيا، الصين، الشرق الأوسط.

أوكرانيا

قدّمت إدارة بايدن أعلى مستويات الدعم إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب، رغم معارضة بعض أعضاء الحزب الجمهوري وزيادة التشاؤم حول قدرة كييف على الفوز في الحرب أو استرجاع الأراضي التي خسرتها.

يشعر الأوكرانيون وداعموهم الغربيون بالقلق من أن يوقف ترامب الدعم الأميركي ويترك أوكرانيا تتكل على ما يمكنها الحصول عليه من مساعدات أوروبا، فتصبح تحت رحمة الجيش الروسي. أعلن ترامب بأسلوبه المتغطرس المعتاد أنه كان قادراً على وقف تلك الحرب «في يوم واحد»، ثم راوغ في الكلام حين سُئِل عن رغبته في فوز أوكرانيا. لهذا السبب، قد يظن الكثيرون أن انتخاب ترامب سيغيّر السياسة الأميركية بطريقة جذرية.

لكن من المتوقع أن يتبع بايدن مساراً مشابهاً إذا فاز بولاية أخرى، حتى لو كانت طريقة تطبيق مقاربته مختلفة. انقلب الوضع ضد أوكرانيا في العام 2023، ورغم إصرار داعميها على طرح مخططات تفاؤلية لتغيير حظوظها وتحرير الأراضي التي استولت عليها روسيا بطريقة غير شرعية، تبدو آمالهم شبه وهمية وتدرك وزارة الدفاع الأميركية هذا الواقع على الأرجح. لن يعترف بايدن وأعوانه بهذه المستجدات قبل الانتخابات لأن هذا الموقف يشكك بطريقة تعاملهم مع الحرب حتى الآن. لكن إذا عاد بايدن إلى السلطة، قد يضغط فريقه على كييف لتحديد أهداف أكثر واقعية والتوصل إلى تسوية فاعلة.

مع ذلك، سيطبّق بايدن هذه المقاربة بطريقة مدروسة ويحاول مساعدة كييف على إبرام أفضل صفقة ممكنة. في المقابل، قد يلجأ ترامب إلى المهارة الديبلوماسية التي استعملها للتقرب من رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، فيصبح أكثر ميلاً إلى وقف كل شيء والتهرب من الأزمة. في مطلق الأحوال، ستحاول الإدارتان التفاوض لإنهاء الحرب بعد كانون الثاني 2025، وقد يكون الاتفاق النهائي قريباً من أهداف روسيا المعلنة أكثر مِمَّا يتماشى مع طموحات كييف.

الصين

تخلى ترامب خلال ولايته الأولى عن السياسات الأميركية السابقة التي كانت ترتكز على التواصل الاقتصادي مع الصين وأطلق حرباً تجارية عشوائية انعكست سلباً على الاقتصاد الأميركي ولم تعالج العجز التجاري الثنائي كما كان متوقعاً. في المقابل، عدّل بايدن هذه المقاربة، لكنه تمسّك بها عبر فرض قيود صارمة على التصدير لإعاقة الجهود الصينية الرامية إلى السيطرة على مجالات أساسية من التكنولوجيا المتقدمة. رفض المسؤولون في إدارته السياسة الحمائية الصريحة وفضّلوا هذه المقاربة باعتبارها تُركّز على مخاوف الأمن القومي حصراً. قد يكون دعم المقاربة الصدامية المستمرة تجاه الصين من المسائل القليلة التي تحظى بدعم قوي من الحزبَين الجمهوري والديموقراطي.

لهذا السبب، لن تتغير السياسة الأميركية تجاه الصين كثيراً، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات في تشرين الثاني. بحسب المواقف الرسمية الصادرة عن فريق بايدن وإدارة ترامب سابقاً، تُعتبر الصين من أبرز الجهات التي تطرح تحديات كبرى على التفوق الأميركي العالمي، ويبدو هذا الرأي اليوم أقوى من أي وقت مضى. قد يتبنى ترامب موقفاً أكثر صدامية تجاه حلفاء واشنطن في آسيا، لكنه لا يستطيع التخلي عنهم إذا كان يريد التصدي لبكين. باختصار، ستكون مقاربات بايدن وترامب متشابهة خلال العهد الرئاسي المقبل في الملف الصيني.

الشرق الأوسط
نظراً إلى الطابع الفوضوي الذي تحمله سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، قد يظن الكثيرون أن بايدن وترامب ينويان تغيير مسارها في العام 2025. لكن لا شيء يثبت للأسف أن أياً منهما سيغيّر مقاربته مستقبلاً. أكثر ما يثير الدهشة هو تشابه تصرفات هذين الرئيسَين المختلفَين بشدة عند التعامل مع هذه المنطقة المتقلّبة.

تخلّى ترامب خلال عهده الرئاسي الأول عن الاتفاق النووي الذي أبطأ البرنامج الإيراني، ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وأغلق مكتب القنصلية الأميركية للشؤون الفلسطينية في واشنطن، وعيّن محامياً من أشرس داعمي الاستيطان كسفير أميركي لدى إسرائيل. كذلك، نسفت خطة السلام التي اقترحها الرئيس السابق الهدف الأميركي القديم بإقرار حل الدولتين، ثم دعم ترامب أيضاً خطة صهره جاريد كوشنر لتطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل. سمحت «اتفاقات أبراهام» لاحقاً بإقامة علاقات ديبلوماسية بين إسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب، والسودان، لكن لم يحرك ترامب ساكناً لمعالجة مصائب 5 ملايين فلسطيني يقيمون تحت الحُكم الإسرائيلي الصارم في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وَرِث بايدن هذا الوضع من سَلَفه وزاده سوءاً. رغم تعهده خلال حملته الانتخابية بالانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي مع إيران، تردد في تنفيذ وعده إلى أن أسفرت الانتخابات الإيرانية عن وصول متشدّدين إلى السلطة، فزادت صعوبة العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». نتيجةً لذلك، تقترب إيران اليوم من تصنيع القنبلة المنشودة أكثر من أي وقت مضى. تعامل بايدن ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع الفلسطينيين على طريقة ترامب، فأخّروا إعادة فتح القنصلية في القدس، ولم يبذلوا جهوداً كبرى لاستئناف عملية السلام، وأغفلوا عن أعمال العنف المتزايدة التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية. هذه الأخطاء التي بدأت مع ترامب واستمرت مع بايدن أعطت نتائج عكسية في أنحاء العالم. في 7 تشرين الأول، تسلل مقاتلون من حركة «حماس» من السجن الذي يعيش فيه سكان غزة وأطلقوا هجوماً قوياً ضد إسرائيل. لكنّ الرد الإسرائيلي الوحشي والإلغائي أمعن في تشويه صورة إسرائيل، وأساء إلى سمعة الولايات المتحدة، وشكك بضمير العالم.

كيف ردّت الولايات المتحدة على هذه الكارثة الديبلوماسية والإنسانية، بعدما أعلن وزير خارجيتها سابقاً أن حقوق الإنسان ستكون «محور السياسة الخارجية الأميركية»؟ سارعت واشنطن إلى إرسال مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات إلى البلد الذي قتلت قنابله حتى الآن أكثر من 25 ألف فلسطيني في غزة، واستعملت حق النقض في مجلس الأمن للاعتراض على قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار، واعتبرت طلب جنوب أفريقيا المُوثّق لاتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية «لا يستحق العناء». تفيد التقارير بأن المسؤولين في الإدارة الأميركية طلبوا من إسرائيل أن تُخفف حدّة تحركاتها، لكنهم لم يهددوها بوقف الدعم الأميركي. نتيجةً لذلك، تجاهلت حكومة نتنياهو الطلبات الأميركية طبعاً.

لا شيء يثبت أن الوضع سيتغير بغض النظر عن هوية الفائز في السنة المقبلة. يدعم بايدن وبلينكن الصهيونية علناً، ومن المستبعد أن يفرض أيٌّ منهما ضغوطاً حقيقية على إسرائيل لإجبارها على تغيير مسارها. كذلك، لم يهتم ترامب يوماً بأيّ من الطرفَين، لكنه يدرك أهمية الحفاظ على توازن النفوذ السياسي في الولايات المتحدة، وأصبح انحيازه ضد المسلمين موثّقاً. قد يشهد عهد بايدن الثاني محاولة أخرى لإعادة إحياء نسخة معينة من عملية السلام، لكن يُفترض ألا يتوقع أحد أن تُحقق هذه الجهود إنجازات تفوق المبادرات الأميركية السابقة. في النهاية، لا يمكن إيجاد الحل مع الرجل الذي أضعف على الأرجح جهود الرئيس السابق باراك أوباما لإقرار حل الدولتين، حتى لو فاز بولاية جديدة. أما ترامب، فهو يميل عموماً إلى تحقيق مصالحه الخاصة، كما فعل صهره سابقاً. على غرار طريقة التعامل مع أوكرانيا والصين، يبدو أن نقاط التشابه في المقاربة المعتمدة تفوق الاختلافات المحتملة من حيث الرؤية العالمية والأسلوب الديبلوماسي.

لا يعني ذلك أن الانتخابات المقبلة لن تؤثر على السياسة الخارجية الأميركية بأي شكل. قد يحاول ترامب إخراج الولايات المتحدة من حلف الناتو مثلاً، مع أن هذه الخطوة ستواجه على الأرجح رفضاً قوياً في أوساط السياسة الخارجية والدفاعية. أو ربما يُركّز بشكلٍ أساسي على أجندته المحلية ومشكلاته القانونية المستمرة، ما يُخفف اهتمامه المحدود أصلاً بالشؤون الخارجية، فيميل إلى ترسيخ الوضع القائم. فشل ترامب في إصدار أحكام صائبة حول أفضل المواهب في عالم السياسة الخارجية خلال عهده الأول وأقال عدداً غير مسبوق من الموظفين، وقد تمنع هذه النزعة تطبيق السياسة الخارجية وتزيد مخاوف الحكومات الأجنبية. قد تبرز اختلافات سلسة إذاً بين بايدن وترامب في عهدهما الثاني، لكن من المستبعد أن يكون التغيير جذرياً.

ستؤثر الانتخابات المقبلة إذاً على السياسات الأميركية الداخلية أكثر من ملفات السياسة الخارجية الأساسية. تبدو المجازفات المطروحة محلياً كبيرة وواضحة ومقلقة بما يكفي، لدرجة ألا أجد شخصياً أي صعوبة في تحديد المرشّح الذي يستحق تصويتي. حبذا لو يوافقني الرأي معظم الناخبين في عدد كافٍ من الولايات في تشرين الثاني المقبل.