لوسي بارسخيان

دَين النفط العراقي مليارا دولار... والمنصّة قيد المتابعة (2 من 2)

5 شباط 2024

02 : 00

الفيول العراقي جنّب لبنان العتمة (فضل عيتاني)

منذ بدء الأزمة اللبنانية، شكّل الفيول العراقي المنفذ الوحيد الذي جنّب لبنان ساعات تقنين طويلة، بدت محتّمة، وخصوصاً مع انعدام الحلول البديلة التي إشترطت أولاً عملية إصلاح شاملة في القطاع، بالإضافة إلى رفع العراقيل «الدولية» من أمام استجرار الكهرباء من الأردن أو الغاز من مصر.



إنتهت السنة الأولى من اتفاقية تأمين حاجات لبنان من الفيول العراقي في أواخر العام 2022، وفترة التمديد الأولى لها في نهاية أيلول 2023. وقد لفت ارتفاع قيمة الاعتماد المستندي للكميّة نفسها من الفيول المتّفق على توريدها في السنتين، أي مليون طن سنوياً، من 460 مليوناً و107 آلاف دولار، إلى 531 مليوناً و673 ألف دولار، وذلك كنتيجة لتبدّل أسعار النفط العالمية، علماً أنّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وقّع حديثاً على رفع قيمة هذا الاعتماد المستندي إلى 700 مليون دولار، بناء لطلب شركة «سومو» الموردة للنفط.

وهكذا إذاً بقيت الإتفاقية الموقّعة مع العراق العنصر الوحيد لضمان استمرار تشغيل معامل إنتاج الكهرباء في لبنان. وقد دلّ على ذلك تعديل بعض بنود الإتفاقية استثنائياً في نهاية العام الماضي، لصالح تقصير مدّتها، بما يضمن رفع ساعات التغذية صيفاً. وهذا ما خلق إشكالية في تأمين الكميات المشغّلة لمعامل الإنتاج مع انطلاق الإتفاقية بمهلتها الممدّدة للمرة الثانية.

رفع الكمّيّات من مليون إلى مليون ونصف طن

ترافق تجديد الإتفاقية حتى تشرين الأول من العام 2024، مع موافقة العراق أيضاً على رفع الكميات الموردة من مليون طن متري إلى مليون ونصف، هذا بالإضافة إلى إبرام عقد جديد بشروط تجارية من دولة إلى دولة لتأمين 2 مليون طن من النفط الخام.

وبذلك سيصل مجموع كميات الفيول والنفط العراقي المورد إلى لبنان حتى نهاية هذا العام إلى 3.5 ملايين طن، ستواصل وزارة الطاقة باستبدالها بما يناسب مواصفات تشغيل معامل إنتاج الكهرباء في لبنان، وذلك وفقاً لشروط ميسّرة تتضمّن آلية دفع مؤجل لستة أشهر بدءاً بتاريخ الاستلام، من دون ترتيب أي فوائد مالية، وبسعر يراعي الأسعار العالمية التنافسية، وفقاً لما صرّحت به وزارة الطاقة سابقاً.

بقيت آلية مبادلة الفيول العراقي بما يتناسب مع حاجات لبنان في المقابل مقرونة بمناقصات دورية تطلقها وزارة الطاقة. بدت هذه الآلية أفضل الممكن في ظل الظروف الأمنية والسياسية والمالية، رغم بعض الشكوك التي راودت المعنيين، ولا سيّما الحزب التقدمي الإشتراكي، حول الكميات الواصلة إلى لبنان، والتلميح إلى إمكانية تسرّبها إلى سوريا، التي شكّلت معبراً برياً أساسياً لصهاريجها.

ولذلك بدأ البحث بتجديد الاتفاقية لمرة ثانية. فترافق الأمر مع أخذ ورد فجّرهما، ما رصدته هيئة الشراء العام من مخالفة في تطبيق دفتر شروط عملية المبادلة، سواء لجهة المهل المحددة، أم لناحية إدارة هذه المناقصات. إشتبهت الهيئة بسعي الوزارة لحصر المنافسة في عدد محدود من الشركات. الأمر الذي فتح الباب أمام عملية تتبع لجميع صفقات استقدام الفيول العراقي، بدءاً بأولى مراحل تطبيق قانون الشراء العام. وفي وقت إتّهمت الوزارة الهيئة أنها بإجراءاتها والشروط التي تفرضها تؤخر استقدام البواخر.

مصادر في هيئة الشراء العام أكدت أن لا موقف مسبقاً من أي مناقصة تجرى عبرها، إلا أنّ الهدف هو الحفاظ على مبدأ المنافسة المطلوبة، مسجلة ملاحظتها على غياب الرؤية الاستباقية للوزارة بالسعي لإطلاق المناقصات قبل أن يداهمها تراجع كميات الفيول المطلوبة للاستمرار بتأمين ساعات التغذية المحدّدة.

هذا الواقع ترجمه أخيراً بيان صدر عن مؤسسة كهرباء لبنان، أعلن عن اتخاذ خطوات استباقية لتجنّب تراجع التغذية، رغم رفع كميات الفيول الموردة إلى لبنان، وذلك كنتيجة لتأخر إجراءات المناقصات، وبالتالي وصول الكميات التي كانت مقررة لشهر كانون الثاني من العام الجاري.

بدا واضحاً في المقابل، أن شرط فتح الاعتمادات عند إصدار سندات كل شحنة فيول مستقدمة، شكّل واحداً من العراقيل، وخصوصاً في ظلّ الفراغ المستمر في رئاسة الجمهورية وعدم التوصّل لحلول نهائية لأزمة التمويل المطلوب.

إختبار جدّي لنيات الدفع

رفع كميات الفيول المورد إلى لبنان، وضع المعنيين في المقابل تحت اختبار جدي لنيات الدولة اللبنانية بتسديد الأثمان. الأمر الذي سيتطلب ترجمة عملية للقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في شهر تشرين الثاني من العام 2023، والذي كلّف من خلاله المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار في لبنان «إيدال» وضع آلية تنفيذ «برنامج التبادل التجاري - النفط العراقي مقابل المنتجات والخدمات اللبنانية»، بما يتضمّنه من إنشاء منصة لعرض هذه المنتجات اللبنانية وطلبها.



فما هي فرص نجاح الحكومة مع «إيدال» بما لم تنجح به في السنوات الماضية؟

لا يحصر نائب مدير مؤسسة إيدال علاء حمية إجابته عن هذا السؤال الذي وجّهته «نداء الوطن» بالحديث عن عوامل إيجابية قد تشكّل ضمانات لذلك، إنما يقرنها أيضاً بنتائج إيجابية سيخلفها تطبيق الآلية، ومن الممكن أن تخلف انعكاسات اقتصادية موازية لضمان استمرار تدفّق خيرات الفيول العراقي على معامل إنتاج الكهرباء، وتحسين ساعات التغذية.

ما يتحدّث عنه حمية يبدو سلسلة مترابطة. فتحرّك العجلة الإقتصادية نتيجة للإنتاجية المقترنة بعملية التبادل، سيؤدي حتماً إلى تحسّن في الجباية، وتحسّن الجباية سيؤدي إلى رفع ساعات التغذية، وهذا بدوره يرفع الطلب على الفيول العراقي، وبالتالي القدرة على تسديد ثمنه.

نقاشات لوضع بروتوكول للتبادل في العراق

كلف حمية بمتابعة تنفيذ «البرنامج» عبر إيدال إلى جانب مدير المؤسسة مازن سويد. وهو يتحدث أيضاً عن دور للعميد حسن شقير نائب مدير عام أمن الدولة، كراعٍ للعلاقات المفتوحة مع العراق حالياً، بدعم من الحكومة ورئيسها. وبحسب المعلومات، باشر حمية وسويد نقاشات مع الجانب العراقي للبحث في بروتوكول سيوضع للجان المشتركة بين البلدين، والذي سيسمح بتحديد الخدمات التي يحتاجها الجانب العراقي في كل وزارة. ليتمّ من بعده توقيع البروتوكول على مستوى السلطتين السياسيّتين في البلدين. أما المنصة فستكون وظيفتها كوسيط منشأ بين القطاع الخاص والقطاع العام. وقد أقرّت الحكومة تمويل انطلاقتها، مع ترقّب لإمكانية أن يتكفّل الجانب العراقي بتكاليفها لدى تفعيلها.

خلاصة ما يقوله حمية لـ»نداء الوطن» أنّ المترتبات المالية عن الصفقة يمكن أن تتحوّل فرصة إنتاجية في البلد. إذ إن الدين الذي قد يصل إلى ملياري دولار، يوازي أو يفوق مجمل صادرات لبنان للخارج. وعليه إذا نجح برنامج التعاون في تأمين تصدير منتجات وخدمات بقيمة 300 إلى 400 مليون دولار في الفترة الأولى، يمكن أن نشهد قفزة نوعية بالإقتصاد اللبناني، وصولاً إلى إعادة إحياء خدمات ومنتجات دخلت في حالة موت سريري منذ سنوات. يذكر منها حمية على سبيل المثال صناعة الأحذية، التي تبدو حاجة لعناصر الأمن والجيش العراقي.

بحسب ما يعرضه حمية يفترض بالمنتج اللبناني أن يتطلّع لخدمة اقتصاد أكبر من السوق المحلية، وسوق العراق وحاجاتها تبدو واعدة في هذا الإطار. سواء على مستوى الإنتاج الزراعي، أم الصناعي أم حتى على مستوى الخدمات، وخصوصاً التربوية والتدريبية والإستشفائية. حيث يشير حمية إلى تخصيص الدولة العراقية جزءاً من ميزانية ثروتها النفطية لتأمين تغطية تكلفة الفاتورة الصحّية لمواطنيها وتلقيهم العلاج في الخارج.

أهداف طموحة يحدّها غياب الثقة بالليرة

تبدو هذه الأهداف في المقابل طموحة بالمقارنة مع العقبات التي قد تعترضها. ومنها على سبيل المثال، عملية انتقال السلع والخدمات عبر سوريا، وهي عقبة يقول حمية إنه يجري العمل على تذليلها بالتعاون مع الجانب العراقي. كما أن نجاح التجربة يبقى محفوفاً بمخاطر الثقة المفقودة لدى المنتج اللبناني بعملته الوطنية، وبالنظام المصرفي. إلا أن حمية يشدد على «أننا كمؤسسة عامة لا نتعامل إلا بالعملة الوطنية، والتعامل بهذه العملة يؤمّن تجاوز عقبات الدولار الذي يجد مصرف لبنان صعوبة في تأمينه».

ويحدد في المقابل سلسلة من العوامل الإيجابية والفرص المتاحة أمام نجاح الخطة في استعادة هذه الثقة عبر ما يلي:

أولاً: من خلال الإيجابية التي يبديها الجانب العراقي تجاه هذه الخطة.

ثانياً: بالوفر الذي بدأ يتوفّر من واردات خطة الطوارئ المنفذة عبر مؤسسة كهرباء لبنان، والتي ستسمح بإطلاق بعض الخطوات العملية مباشرة.

ثالثاً: الضمانات بتسديد مستحقات مقدّمي الخدمات بالسرعة القصوى، والتحوّط الذي سيرافق العملية بالنسبة إلى سعر صرف الدولار.

رابعاً: إستقرار سعر الصرف وثبات العملة لفترة مقبولة حتى الآن.

وهذا وفقاً لحمية «يضعنا أمام فرصة تاريخية ليكون لنا خطة تجريبية لمشاريع أخرى يمكن أن تنفذ مستقبلاً».



الكميات وكلفتها



-السنة الأولى: كمية /1/ مليون طن فيول أويل بقيمة /531.673.000/ دولار أميركي.

-السنة الثانية: كمية /1/ مليون طن فيول أويل بقيمة /460.107.000/ دولار أميركي.

-السنة الثالثة: كمية /1.5/ مليون طن فيول أويل بقيمة/700.000.000/ دولار أميركي.


MISS 3