جوزيف حبيب

سوريا المُفكّكة على "هامش التاريخ"!

8 شباط 2024

02 : 00

الأسد خلال مشاركته في القمّة العربية - الإسلامية في الرياض في 11 تشرين الثاني 2023 (واس)

لم يكن آذار عام 2011 شهراً عاديّاً في سوريا، بل كان استثنائيّاً بكلّ المقاييس. انطلاق شرارة «الثورة السورية» في هذا الشهر ليس منفصلاً عن تراكمات تاريخية وتحوّلات بنيوية تفجّرت عند «نقطة الانهيار» المجتمعية في خضمّ «مسار تعبوي» كان له تأثير «الدومينو»، بدأ بـ»ثورة الياسمين» في تونس لينتشر كالنار في الهشيم في دول عربية عدّة، فأطاح أنظمة وصدّع أخرى وأدخل بلداناً في حروب أهلية لامتناهية. تلك المرحلة المضطربة كانت مفصلية في سوريا الواقعة في قبضة «حزب البعث».

تبدّلت مكانة سوريا جذريّاً ما بين حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد وحكم نجله الرئيس الحالي بشار الأسد. داخليّاً، كانت «هيبة» النظام في عهد «الوالد» أقوى بما لا يُقاس، خصوصاً بعدما «تعمّدت» بدماء «مجزرة حماة» عام 1982 حين دفن حافظ الأسد انتفاضة «الإخوان المسلمين» في مهدها بالحديد والنار. أمّا خارجيّاً، فقد استطاع الرئيس السوري آنذاك التعامل مع التطوّرات الإقليمية والتحوّلات الدولية بمهارة وحنكة، فاقتنص الفرص وحصد «المكافآت» وتجنّب «الخسائر» قدر الإمكان.


جلس «الإبن» أكثر من نصف أيّامه في السلطة فوق «ركام» حرب أهلية مزّقت «الجسم المجتمعي» وعمّقت أحقاده، وهدّمت مدن البلاد وأريافها، وقتلت ما يفوق النصف مليون إنسان، وشرّدت وهجّرت الملايين، وسحقت الاقتصاد الوطني. قد يكون الأسد مع «حلقته الضيّقة» أحد أبرز «الصامدين» فيها، لكنّه يحكم «دولة - مخدّرات» منكوبة ومُفكّكة الأوصال. توجد على الأراضي السورية جيوش وتنظيمات وميليشيات لا تُعدّ ولا تُحصى، بينها من يُعتبر حليفاً للأسد ومن يُعتبر عدوّاً ومن يتعاون معه «على القطعة» بحكم «الأمر الواقع» لتبادل المنافع والخدمات.

ضُعف دمشق سهّل على إسرائيل استهداف أعدائها داخل سوريا، فوجّهت مئات الضربات ضدّ أهداف إيرانية ومواقع لـ»حزب الله» وحلفائه، وأخرى للجيش السوري، على مرّ السنوات الماضية، لتتكثّف هذه «الهجمات» في ظلّ «حرب غزة» وكان آخرها ليل الثلثاء - الأربعاء حين شنّت الدولة العبرية غارات دموية على مدينة حمص وريفها. تحوّلت سوريا مع الوقت إلى «ملعب مفتوح» تُسجّل فيه «أهداف قاتلة» بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، من دون أن يكون لدمشق أي «قدرة فعلية» على كسر هذه «الدوّامة».

ليس في استطاعة دمشق «الانتقام» على انتهاك إسرائيل المتكرّر لسيادتها «المُمزّقة» أصلاً، فأتقنت ممارسة «الصبر الاستراتيجي» من حليفها الإيراني واحتفظت بحقّ الردّ «في الزمان والمكان المناسبَين». يأكل التضخّم ما تبقى من قدرة شرائية متهالكة لدى السوريين، في وقت يحتاج فيه اقتصاد البلاد إلى الانطلاق في ورشة «إعادة الإعمار». وهنا تكمن «عين المعضلة» بالنسبة إلى دمشق، فحليفاها الروسي والإيراني يسعيان إلى تحصيل «فواتيرهما» تعويضاً عن مشاركتهما في الحرب إلى جانب الأسد والحؤول دون سقوط نظامه، وليسا في وارد دفع ولو «فلس واحد» على «إعادة إعمار» البلاد.

نجح الأسد نسبيّاً في فكّ «العزلة العربية» عن نظامه وإعادة تطبيع العلاقات مع دول عدّة، ويعمل جاهداً على تعزيز التقارب مع دول خليجية لتوفير التمويل اللازم لـ»إعادة الإعمار». لكنّ الدول المعنيّة تُقارب المسألة بحذر شديد، منتهجةً سياسة «خطوة مقابل خطوة»، الأمر الذي خفّف «اندفاعة» عودة العلاقات إلى «مجاريها الطبيعية». وعلى الرغم من «الواقعية السياسية» التي يعتمدها أكثر من دولة عربية في «معالجتها» للقضية، إلّا أنّ لكلّ منها مصالحها وشروطها للدفع بالعلاقات مع دمشق قدماً.

تختلف هذه الشروط بين دولة وأخرى، فتتراوح بين الحضّ على ضرورة عودة اللاجئين إلى سوريا، ومطالبة دمشق بمكافحة إنتاج «الكبتاغون» وتهريبه إلى دول الجوار، فضلاً عن الضغوط المتزايدة للحدّ من «الوجود الإيراني» في البلاد، وصولاً إلى الدفع في اتجاه «حلّ سياسي» للأزمة السورية. حتّى اللحظة، يمتنع النظام السوري عن تنفيذ بعض هذه الشروط التي تُهدّد ديمومته، بينما يعجز عن فرض تطبيق بعضها الآخر. كما يواجه الأسد «جبهة» أميركية - غربية تُمعن في تضييق الخناق على نظامه، ما جعل «انتصاراته» العسكرية «شيكات» بلا رصيد سياسي أو مالي، فحَكَمَ على سوريا بالوقوف على «هامش التاريخ»!

MISS 3