رفيق خوري

لبنان و"مسار أستانا": اللعبة المعقّدة

3 آب 2019

14 : 28

لبنان الغارق في أزمات داخلية معقّدة، عائم على سطح أزمات إقليمية أشدّ تعقيداً. مفارقة؟ كلا. فالخطوط بين هذه الأزمات وأطرافها مفتوحة. والخيوط التي يمسك بها اللاعبون الكبار دولياً والأقوياء إقليمياً ومحلياً معظم الألعاب تتشابك وتهتز ولا تنقطع.

أزماتنا الداخلية التي نغرق فيها من صنع أيدينا، وحلولها معروفة، لكن حراس الأزمة أقوى من أهل الحلول. والأزمات الإقليمية التي نعوم على سطحها تتزاحم الأيدي في صنعها، وتلتقي على كون حلولها صعبة ومتشعّبة.

ذلك أنّ الأزمة التي قادت إلى حرب سوريا الطويلة وأطرافها المتعدّدين جعلت المنطقة في حاجة الى "خدمات" يقدّمها لبنان، بحيث كان على المتصارعين المساهمة في ضمان الأمن والحدّ الأدنى من الاستقرار فيه.

لكن الحرب التي أجبرت نصف السوريين على النزوح في الداخل واللجوء الى الخارج في أكبر تراجيديا إنسانية، وضعت لبنان تحت عبء ثقيل هو استضافة مليون ونصف مليون نازح. والصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه والذي حرب سوريا جزء منه، قاد أطرافه الإقليمية والدولية التي تعرف حدة الإنقسام في لبنان بين المحاور إلى منع انتقال الصراع العنيف الى الداخل اللبناني. حتى عندما ذهب "حزب الله" الى القتال في سوريا الى جانب النظام وايران، فإنّ أمينه العام السيد حسن نصرالله دعا الى معادلة: القتال في سوريا والتهدئة في لبنان.

اليوم يدرك لبنان، أكثر من أي وقت مضى، أنّ مستقبله مرتبط بما تنتهي اليه التطوّرات في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق واليمن والصراع الأميركي – الإيراني. فهو مكرهٌ على انتظار المتغيّرات فوق الخريطة الإقليمية. وهو ذهب الى مفاوضات استانا حول سوريا كمراقب على أمل أن يكون فيها مكان للبحث في عودة النازحين، أو أقله لكي يرى ما يحدث. لكن الموفد الروسي الكسندر لافرينتيف حامل الدعوة خلال زيارة الى بيروت قال بصراحة "ان عوامل انضاج المبادرة الروسية لعودة اللاجئين لم تتوافر بعد".

موقف الرئيس ميشال عون منطقي في الإلحاح على عودة النازحين ما دامت الحرب توقفت في مناطق كثيرة من سوريا، من دون انتظار التسوية السياسية وإعادة الإعمار. لكن ما يدير حرب سوريا والصراع في المنطقة ليس المنطق بل المصالح الحيوية والمشاريع. فالدعوات الى التنسيق مع دمشق والرهانات على المبادرة الروسية اصطدمت بثلاثة امور: دمشق ليست جاهزة. المبادرة الروسية لعبة تكتيكية لدعوة الغرب الى المساهمة في إعادة الإعمار قبل التسوية. والإصرار الغربي والعربي على ربط إعادة الإعمار بالتسوية.

والتسوية لا تزال بعيدة.


MISS 3