آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز

هل أصبح نتنياهو محاصراً؟

14 شباط 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

عند السياج الحدودي بالقرب من مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى | 7 تشرين الأول 2023

وفق مقولة قديمة في عالم السياسة الإسرائيلية، قد يموت السياسي بكل بساطة أو يموت ويُدفَن. لا يمكن تحديد الخانة التي يدخل فيها بنيامين نتنياهو المحاصر، لكن يؤكد المحللون السياسيون الإسرائيليون المخضرمون أنه يواجه اليوم أصعب اختبار في حياته. بات نتنياهو مضطراً للتعامل مع مجموعة متداخلة من الخلافات والضغوط، تزامناً مع مواجهة الرأي العام الإسرائيلي الذي يزداد استياءً مع مرور الوقت، بما في ذلك عائلات الرهائن المحتجزين لدى حركة «حماس» منذ 7 تشرين الأول، والشرخ الواضح داخل حكومة الحرب، وتمرّد معسكر اليمين، وعودة جنود الاحتياط بعد استدعائهم (لا يؤيدون نتنياهو في معظمهم)، وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة، ولا ننسى محاكمته المستمرة بتُهَم الاحتيال، والرشوة، وخيانة الأمانة، في محكمة القدس المركزية.



بعدما أشرف نتنياهو على أكبر إخفاق استخباراتي وأخطر هجوم في تاريخ إسرائيل وعاش اليهود أكثر الأيام دموية منذ حقبة المحرقة في عهده، يبدو أنه بدأ يتجه إلى نهاية مسيرته. بطريقة أو بأخرى، من المستبعد أن تستمر الحكومة التي يقودها نتنياهو حتى نهاية عهدها في تشرين الأول 2026. يبلغ متوسط مدة أي حكومة إسرائيلية منذ الاستقلال 1.8 سنة، وقد شهدت إسرائيل للتو سنة غير طبيعية وصادمة بمعنى الكلمة، تزامناً مع إصرار نتنياهو على إضعاف السلك القضائي الإسرائيلي وزيادة مخاطر الاعتداءات منذ 7 تشرين الأول. يعتبر النقاد هاتين الصدمتَين نتيجة مباشرة لفشل سياسات نتنياهو.

يُفترض ألا يستخف أحد بحنكة نتنياهو السياسية وتصميمه على البقاء في الحُكم. لكن تنجم قدرته على التمسك بالسلطة في الوقت الراهن عن وقائع العملية السياسية في إسرائيل.

للتمكن من تنحيته، تتعدد المسارات التي تستطيع المعارضة السياسية اتخاذها، لكن يطرح كل واحد منها مشكلة معيّنة. في المقام الأول، يمكن اللجوء إلى تصويت بنّاء لحجب الثقة عنه. خضع هذا التصويت للتعديل في العام 2014 لضمان اقتراح حكومة بديلة، ويتطلب إقراره 61 صوتاً من أعضاء الكنيست (من أصل 120). أو يستطيع الكنيست أن يمرر مشروع قانون بدعمٍ من غالبية بسيطة لحل نفسه وإجراء انتخابات جديدة. لكن في الوقت الراهن، لا يريد أحد في الكنيست أن ينشغل البلد باستحقاق انتخابي آخر في زمن الحرب.

أما الآلية الثانية التي تسمح بتنحية نتنياهو، فهي تشتق من القناعة القائلة إن استقالة بيني غانتس وغادي أيزنكوت من حكومة الحرب، تزامناً مع توسّع نطاق الاحتجاجات، قد تدفع عدداً من أعضاء حزب «الليكود» في الكنيست إلى التخلي عن نتنياهو. لكن لا شيء يضمن أن يستقيل غانتس وأيزنكوت طوعاً من مناصبهما المؤثرة في أي وقت قريب. من وجهة نظرهما، من الأسهل كبح اليمينيين المتطرفين في حكومة الائتلاف عبر الإشراف على قرارات نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، بما في ذلك منع تصعيد الوضع في لبنان. كذلك، يتابع نتنياهو السيطرة على حزبه حتى الآن. حزب «الليكود» ليس معروفاً بالتخلي عن زعيمه، لذا من المستبعد أن يتابع أعضاء حزب نتنياهو مسارهم في المرحلة المقبلة من دون زعيمهم وأن ينسحبوا من الائتلاف الحاكم.

يغفل الكثيرون عن الخيار الثالث الذي يمكن استعماله لإسقاط نتنياهو، مع أنه أثبت أهميته لإحداث تغيير سياسي حقيقي بعد الصدمات الوطنية السابقة: إنشاء لجنة تحقيق حكومية. تنشأ هذه اللجنة بطلبٍ من الحكومة أو هيئة مراقبة الدولة في الكنيست، وهي تتمتع بصلاحيات واسعة لإجراء التحقيقات، حتى أنها تستطيع استدعاء الشهود والمطالبة باستقالة بعض المسؤولين. يقود رئيس المحكمة العليا اللجان الحكومية، وهو الذي يُعيّن أعضاءها ويحمي هذه العملية من التدخل السياسي.

تكون هذه اللجان مؤثرة جداً. بعد سلسلة الإخفاقات التي مهّدت للحرب العربية - الإسرائيلية في العام 1973، أجبرت ضغوط الرأي العام القوية رئيسة الوزراء غولدا مائير على الاستقالة بعد خمسة أشهر على انتهاء الحرب وبعد شهر واحد فقط على تشكيل الحكومة الإسرائيلية السادسة عشرة، غداة انتخابات كانون الأول 1973، وحصل ذلك بناءً على نتائج «لجنة أغرانات». ونظراً إلى الصدمة الوطنية التي أحدثها هجوم 7 تشرين الأول، أصبح تشكيل لجنة تحقيق شبه مؤكد، لكن لم يتّضح موعد نشوئها بعد.

تحتاج أي لجنة تحقيق إلى بضعة أشهر قبل نشر نتائجها. احتاجت «لجنة أغرانات» مثلاً إلى خمسة أشهر قبل أن تنشر تقريرها الأولي في نيسان 1974، وإلى سنة ونصف تقريباً قبل إصدار نسختها النهائية في كانون الثاني 1975.

بالإضافة إلى المدة الزمنية الطويلة، قد يسعى نتنياهو إلى تعديل طريقة تشكيل لجان التحقيق لحماية نفسه من تحمّل أي مسؤولية شخصية.

لنتطرق الآن إلى «لجنة فينوغراد» في العام 2006. بعد المأزق الذي واجهه البلد في تلك السنة مع «حزب الله»، عيّن رئيس الوزراء إيهود أولمرت مدير «الموساد» السابق ناحوم أدموني كرئيس للجنة التي ستتولى التحقيق بطريقة تعامل الحكومة مع الحرب في لبنان. في النهاية، نجح أولمرت في التهرب من اللجنة الحكومية بفضل رئيسة المحكمة العليا دوريت بينيش، وهي خطوة قد تثير اهتمام نتنياهو نظراً إلى انتقاداته الموثّقة ضد المحكمة العليا الراهنة في إسرائيل.

وعند صدور نتائج «لجنة فينوغراد» السلبية، اندلعت الاحتجاجات في أنحاء إسرائيل ودعت إلى استقالة أولمرت، لكن حصل هذا الأخير على دعمٍ من حزبه «كاديما». في تلك الفترة، اعتبر بنيامين نتنياهو، الذي كان زعيم المعارضة في الكنيست، أولمرت غير مؤهّل لقيادة البلد، فقال إن «الحكومة هي المسؤولة عن الجيش وكان فشلها ذريعاً». لكن رغم الضغوط القوية حينها، صمد أولمرت في الحُكم لسنتين إضافيتَين، ولم يحصل أي تصويت لحجب الثقة عنه بعد نشر نتائج «لجنة فينوغراد».

يجب ألا ننسى أيضاً محاكمة نتنياهو المستمرة، فهي قائمة منذ أربع سنوات ولا شيء يثبت أنها ستنتهي في أي وقت قريب. قد تمرّ سنة أخرى ويصدر قرار إدانة أو يتم التفاوض لشطب الدعوى مقابل تقاعد نتنياهو من السياسة مثلاً لمنع إدانته. الأمر المؤكد الوحيد هو أن هذه العملية تتطلّب وقتاً طويلاً. كان أولمرت متورطاً في قضية «هوليلاند» في كانون الثاني 2012 ودين بقضيّتَي رشوة في آذار 2014، لكنه لم يبدأ بتنفيذ حُكمه الممتد على 19 شهراً في السجن قبل شباط 2016.

أخيراً، يبرز مسار آخر لتنحية نتنياهو من السلطة. سيكون هذا الاحتمال أشبه بسيف ذو حدّين لأنه يشمل خياراً يضمن بقاءه في السلطة. قد يبدو المسار المرتقب محفوفاً بالمخاطر ومليئاً بالشكوك، لكن أطلقت إدارة جو بايدن مبادرة إقليمية متكاملة لتجاوز الحرب المستمرة بين إسرائيل و»حماس» وتجديد الاستقرار بين العرب والإسرائيليين عموماً. تتمحور هذه المبادرة حول رغبة الإدارة الأميركية في دعم اتفاق تطبيع العلاقات الإسرائيلية - السعودية، وقد كان هذا التوجه واضحاً جداً قبل هجوم 7 تشرين الأول. تشمل الخطوط العريضة لهذه المبادرة سلسلة متلاحقة من الخطوات: أولاً، إطلاق سراح الرهائن مقابل تحرير عدد من الأسرى، ما يُمهّد لوقف إطلاق النار موَقتاً بين إسرائيل و»حماس» طوال أشهر متواصلة، ثم طرح الاقتراح السعودي الذي يقضي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل شرط أن يوافق الإسرائيليون على قيام دولة فلسطينية وسحب قواتهم من قطاع غزة. من المتوقع أن تحصل المملكة العربية السعودية على بعض المكاسب أيضاً، بما في ذلك اتفاق دفاعي متبادل، وتلقي المساعدة لتطوير برنامجها النووي الناشئ، فضلاً عن إعطاء ضمانات أمنية غير محدّدة لإسرائيل.

تبدو الإدارة الأميركية مقتنعة بأن هذا الاقتراح سيقضي على ائتلاف نتنياهو الحاكم. لكن قد يتخلّى نتنياهو الذي يتوق إلى البقاء في السلطة عن شركائه المتطرفين، ويشارك في اصطفاف جديد مع حزب «الليكود»، ويتعاون مع عدد إضافي من الشركاء الوسطيين لعقد الصفقات وترسيخ إرثه. إذا رفض نتنياهو هذا الاتفاق، قد تحصل انتخابات أخرى في المرحلة اللاحقة وتؤدي إلى هزيمته، ثم توافق الحكومة الجديدة على الاتفاق.

على صعيد آخر، يصعب توقّع هوية بديل نتنياهو. يطغى اليمين واليمين الوسطي على السياسة الإسرائيلية، وغالباً ما يستفيد هذا المعسكر اليميني من الأزمات الأمنية. في العام 2001، سلّم أرييل شارون من حزب «الليكود» واحدة من أكبر الهزائم في تاريخ السياسة الإسرائيلية إلى إيهود باراك بعد فشل قمة «كامب ديفيد» واندلاع الانتفاضة الثانية. ثم جاءت الحرب مع لبنان في العام 2006 لتزعزع ثقة الناخبين الإسرائيليين بأولمرت الذي استقال لاحقاً ومهّدت استقالته لبدء عهد نتنياهو الطويل كرئيس للحكومة. يصعب أن نتخيّل عودة اليسار الوسطي إلى الواجهة. في أحدث دورة انتخابية، بالكاد حصد حزب «العمل» العتبة المطلوبة في الكنيست للفوز بأربعة مقاعد، ولم يصبح حزب «ميرتس» مؤهلاً لدخول المجلس أصلاً. لم يتغير هذا الوضع السياسي منذ 7 تشرين الأول، بل إن المواقف الإسرائيلية زادت دعماً لمعسكر اليمين أكثر من أي وقت مضى.

مع ذلك، يمكن تصحيح الوضع في المرحلة المقبلة عبر تشكيل حكومة بقيادة غانتس، وزيادة التركيز على حماية الديموقراطية، والمجتمع المدني، وحُكم القانون. لا يمكن التأكد من قدرة أي حكومة جديدة على اتخاذ قرارات مؤثرة قد تُمهّد لعقد اتفاق حاسم لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين. قد لا تطرح تلك الحكومة حلاً سريعاً لهذه المشكلة المرتبطة بالأرض الموعودة، لكنها قد تُقرّب المنطقة من الحل إذا تزامنت هذه الخطوة مع تغيرات مؤثرة في القيادة الفلسطينية.

MISS 3