د. نبيل خليفة

لماذا اغتالوا رفيق الحريري؟

14 شباط 2024

02 : 00

في الذكرى التاسعة عشرة لاغتياله يبقى السؤال الأكثر شرعيّة ومشروعيّة وأكثر إلحاحاً في العقول والقلوب والضمائر والأكثر ايلاماً للمحبّين والقادرين والصابرين، الأقربين منهم والأبعدين: لماذا اغتالوا رفيق الحريري؟ ولعل التساؤل الأكثر عاطفية وروحانيةً وأخلاقيةً القول: لماذا استشهد رفيق الحريري؟ وعلى أرض بيروت، بيروت التي وهبها من روحه وقلبه وعقله كي تكون وتبقى أم المدائن ومنارة الشرق!

هذا بعض ما يمكن قوله عن انسان مميّز «وقيادة تاريخيّة»:

1 - إنّهم اغتالوا رفيق الحريري أولاً لأنه التزم وألزم أهل السنّة في لبنان بالقول والعمل من أجل «لبنان أولاً»، «ولبنان النهائي ثانياً» باعتباره وطناً نهائياً لجميع أبنائه. وفي هذا كان رائداً في الوطنية اللبنانية، اذ تخطّى مفهوم لبنان كمعطى للعقل إلى مفهوم لبنان كمعطى للقلب والضمير.

2 - إنّهم اغتالوا رفيق الحريري ثانياً لأنه برّر وجود لبنان الكيان، باعتبارات فكرية حياتيّة وحضاريّة، إذ هو مختبر لشعوب الأرض جميعاً، ومركز الثقافة والعلم والديمقراطية وحرية الكلمة وحقوق الانسان وسيادة القانون، لبنان المتمسك دوماً وابداً بالحرية والديمقراطية والسلام.

3 - إنّهم اغتالوا رفيق الحريري ثالثاً لأنه كان مدماكاً أساسياً، بل المدماك الأساس لقيام صيغة لبنان ما بعد الحرب. لبنان وثيقة الوفاق الوطني. أي اتفاق الطائف وفق توازنات تأخذ في الاعتبار حقيقة الوضعية اللبنانية.

4 - إنّهم اغتالوا رفيق الحريري رابعاً لأنّه العقل المدبّر، والعامل المؤثر عبر صداقته واحترامه لدى رئيسي الولايات المتحدة وفرنسا في استصدار القرار 1559 تاريخ 2/9/2004 عن مجلس الأمن الدولي مؤكداً على خمسة أمور أساسية: سيادة لبنان واستقلاله السياسي. انسحاب جميع القوات الأجنبية منه. حلّ جميع الميليشيات ونزع سلاحها. بسط سيطرة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية. احترام قواعد الدستور اللبناني.

أجل إنّ أهميّة القرار 1559 الكبرى والأساسيّة أنه شكّل الضمانة القانونية الدائمة التي التزمت بها الشرعية الدولية بالاجماع ازاء لبنان: الدولة والكيان. لبنان حقيقة جغرافية وتاريخية وهي أهم ضمانة يحصل عليها لبنان منذ اعلانه بالقرار رقم 318 على يد الجنرال غورو عام 1920. إنّ القرار رقم 1559 هو أهمّ قرار يصدره مجلس الأمن حول لبنان. ولقد كان رفيق الحريري في المقدمة، وآخرون معه، خلف صدور هذا القرار الحاسم في المصير التاريخي للبنان. وكان أكثر المتضرّرين منه هم الذين يعتبرون لبنان في ايديولوجياتهم خطأً جغرافياً وتاريخياً. لقد كان القرار 1559 ذروة احراج لجميع الذين ينتقصون الكيانية اللبنانية السيّدة الحرّة المستقلّة ولذلك شكّل الخطر الأكبر على حياة رفيق الحريري!

5 - إنّ سمة التحدّي التي تجسدها شخصيّة رفيق الحريري تعود إلى كونه: صاحب رؤية وصاحب مشروع، ورجل امكانات وقدرات ومبادرات، إنه رجل ملتزم برسالتين: رسالة النهضة الحضارية تمهيداً لبناء مجتمع المعرفة في القرن الحادي والعشرين بدعم 34 ألف طالب جامعي في لبنان والخارج باعتبار أنّ مجتمع المعرفة في المستقبل سيُبنى بحسب الاونيسكو على قاعدة التعليم العالي. ورسالة النهضة الاقتصادية على قاعدة الليبرالية باعتبار أنّ السياسة هي التي تبني الاقتصاد وليس العكس.

6 - جميع هذه المواصفات والميزات لدى رفيق الحريري تؤكد صلته بالمستقبل، لذا شاء أن تكون مؤسساته على اسم «المستقبل»: سياسياً وحزبياً واعلامياً، واختار مؤسسة مجلة المستقبل في باريس التي كنت شخصياً مستشاراً لرئيس تحريرها المرحوم نبيل خوري شعاراً لحزبه السياسي.

7 - لن ندخل في نقاش حول ما هو عليه الأخ سعد الحريري اليوم، وما هي عليه جماعة أهل السنّة في لبنان.

حسبنا استرجاع ما قلناه للشيخ سعد عشيّة تسلّمه المسؤولية السياسية كممثل أساسي لأهل السنّة في لبنان خلفاً لوالده، وهو ضرورة بل وجوب قيام لجنة من المفكرين السنّة وآخرين، والطائفة غنيّة برجال الفكر والعلم والجيو- استراتيجيا، لتضع مخططاً كاملاً لما هو الحال ولما ينبغي أن يكون، وما العمل لتلافي واقع التفتت والشرذمة وغياب المرجعية السياسية، وقيام علاقات جديدة وجيّدة مع العالم العربي وخاصة مع الدول المؤثرة فيه على قاعدة الاحترام لا الصدام ولا الاستزلام! أي تصوغ استراتيجية الطائفة للسنوات القادمة على ان تشكّل جزءاً من الاستراتيجية الوطنيّة اللبنانية.

كما يستحسن الاستعانة ببعض دول العالم للمساعدة على ارساء قاعدة الاحترام هذه بحيث تحفظ للطائفة السنيّة في لبنان ولقيادتها مجال العمل والتحرك بحرية ضمن إطار علاقات لبنان العربية والتي هي جزء اساسي من التزامات لبنان التاريخية.

الخلاصة، أنّ أهل السنّة في لبنان هم جزء أصيل وفاعل ومؤثر في ضمائر اللبنانيين؛ وفي تحديد مصير لبنان. وإنه لمن المؤسف، بل المحزن، أن نراهم على هذه الحال من الشرذمة وغياب الفاعلية عكس ما كان يريده ويعمل له الشهيد رفيق الحريري. إنّهم مدعوون جميعاً للعودة إلى النضال، إلى مشروع رفيق الحريري التاريخي، أي إلى لبنان السيّد والنهائي، والوقوف إلى جانب كل السياديين! عندها فقط نستحق جميعاً «لبنان رفيق الحريري»!

(*) باحث في الجيوبوليتيك

MISS 3