رامي الرّيس

لبنان وحروب المنطقة

14 شباط 2024

02 : 00

تبدو فكرة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة فكرة برّاقة ولماعة. فمَن من اللبنانيين لا يرغب بالاستقرار وتملك الشعور بأنه يقيم في جزيرة منعزلة تماماً عن مشاكل المنطقة ومآسيها المزمنة؟ ومن منهم لا يرغب بأن يتمكن من التخطيط لمستقبله ولعائلته بكثير من الاطمئنان ورغد العيش. ولكن، الطموحات والأحلام شيء، والواقع شيء آخر تماماً.

مهما كانت فكرة حياد لبنان نبيلة وهامة ومستوحاة من تجارب دول أخرى (أوروبيّة تحديداً)، إلا أنّها تبقى قاصرة عن التطبيق في لبنان للكثير من الاعتبارات، منها أنّ ثمّة انقسامات لبنانيّة تاريخيّة تتصل إلى حد بعيد بالسياسة الخارجيّة ودور لبنان في المنطقة وكيفيّة تفاعله مع الأحداث المحيطة به من كل حدب وصوب. أساساً، مجرّد أن يكون السؤال حول دور لبنان في المنطقة مطروحاً منذ الاستقلال ولا يزال من دون جواب، لا بل يثير هذا القدر من الخلاف بين اللبنانيين هو بذاته مثير للاهتمام.

ولكن، ثمة أبعاد أخرى خارجة عن إرادة اللبنانيين المنقسمين، تتصل بالدول المحيطة بلبنان وهما الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري، وهو ما يعرقل إمكانيّة التفكير بنجاح فكرة التحييد أو توفير مجالات تطبيقها، حتى لو تجاوز اللبنانيون إنقساماتهم التقليديّة وذهبوا في اتجاه إقرار هذه السياسة.

بطبيعة الحال، هذه الصعوبات السياسيّة والعمليّة على حد سواء، لا تعني القبول بإبقاء لبنان ساحة مفتوحة لتنفيس صراعات المنطقة التي كانت الحرب الأهليّة أحد أبرز تجاربها الطويلة والمريرة (إضافة طبعاً إلى الاعتبارات الداخليّة واللاعبين المحليين الذين نفذوها وانغمسوا بها). وليس المطلوب حتماً أن تتحوّل الجغرافيا اللبنانيّة إلى مساحة للنزاعات المسلحة بالواسطة من قبل الأطراف الإقليميين الفاعلين.

ثمّة مساحة وسطيّة بين الخيارين يمكن العمل على بنائها تدريجيّاً بما يتيح الحفاظ على الاستقرار اللبناني والحيلولة دون ارتهان البلاد لمصالح وأجندات خارجيّة لا تتلاءم مع مصلحته الوطنيّة العليا (لا بل تتعارض معها في بعض الأحيان)، وبين استمرار لبنان الطبيعي بأن يكون فاعلاً مع قضايا المنطقة ومتفاعلاً معها لأن وجوده خارجها لا يضمن بالضرورة حفاظه على استقراره وسلمه الأهلي.

من المهم العمل في لبنان في هذا الاتجاه، والبداية تكون بالتمسك بالقرار 1701 والبحث بين الجهات الرسميّة وجميع المعنيين في كيفيّة تطبيقه وإعادة الاعتبار له مجدداً لما أنه يوفر الاستقرار في جنوب لبنان، وقد أدّى وظيفة مناسبة تماماً طوال سنوات بعد إقراره سنة 2006 عقب حرب تموز المدمرة.

صحيحٌ أنّ إسرائيل قادرة على التملص من هذا القرار ومن كل القرارات الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة تماماً كما فعلت منذ نكبة فلسطين سنة 1948 وكما تفعل اليوم من خلالها حربها المسعورة على قطاع غزة التي ترقى دون أدنى شك إلى مستوى الإبادة الجماعيّة؛ لكن الصحيح أيضاً أنّ لبنان يحتاج للتمسك بموقفه المبدئي إلى جانب عناصر القوة التي تتوفر له من أطراف أخرى والتي تتيح إنشاء حالة من التوازن بشكل أو بآخر.

إذا كانت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لبحث سبل الاستفادة من قدرات المقاومة في بناء توازن الردع مع الاحتلال الإسرائيلي في إطار خطة وطنيّة للدفاع في لبنان؛ فإن المطلوب أيضاً هو القيام بكل ما يلزم لعدم رفع لبنان إلى الحرب المفتوحة وتقديم الذرائع (التي قلما تحتاجها) إلى إسرائيل للانقضاض على لبنان، إما إنفاذاً لحقدها التاريخي ضده أو لإنقاذ ماء الوجه بعد عدم تمكنها من تحقيق الأهداف التي أعلنتها في حربها على غزة.

MISS 3