مايز عبيد

هل انكفأت ثورة طرابلس أم انطفأت؟

13 تموز 2020

02 : 00

الساحة خلت من ثوّارها

فجأة اختفت مظاهر الثورة من طرابلس، فتحوّلت الأمور فيها يوميّات من الحزن والأسى، وجرائم متنّقلة هنا وهناك، وغياباً تاماً لأهل السياسة في المدينة عن معالجة شؤونها. فالثورة في عرين الثورة وعروسها وكأنّها أصبحت شيئاً من الماضي، ليحلّ محلها الوجع، بعدما كان مُغلّفاً بتحرّكات واحتجاجات اتّخذت طابعاً احتفالياً بدخول لبنان وشماله زمن الثورة والتحرّر من الزعامات التقليدية، في الكثير من الأيام الثورية، والإنطلاق نحو بناء الدولة المدنية التي يحلم بها الجميع. وتشهد على ذلك ليالي وأيام ساحة عبد الحميد كرامي، ساحة النور التي كانت إبّان اندلاع ثورة 17 تشرين وما تلاها شيئاً، وأصبحت اليوم شيئاً آخر تماماً. فالساحة اليوم باتت خالية من ثوارها الذين انكفأوا إلى حركات ارتدادية بين الفينة والأخرى على بعض المؤسسات والمرافق العامة، أو أمام قصر العدل. أما قطع الطرقات وإعلان أيام العصيان المدني فلم يعد ذا جدوى وهو لم يكن ذا جدوى في الأصل ولم يستطع تكوين رأي عام مناصر له، وهناك رأي عام واسع يرفض هذه المظاهر لأنه يرى "أنها لم تؤثّر إلّا على أهل المنطقة ولم تؤذ إلا المنطقة وأهلها".

في بدايات الثورة، كان الصخب الإعلامي وبهجة النقل المباشر يغطّيان على كل ما عداهما. حتى وإن ظهرت حالات من الفقر والحرمان، فلم تكن إلا مشهداً صغيراً في زاوية المشهد الكبير الذي كان يهتمّ بإظهار وجه طرابلس الثوري الرافض في وجه السلطة وأدائها والسياسات القائمة في البلد. تراجع وهج النقل المباشر والضوء الإعلامي المُسلّط على طرابلس من بوابة أنها عروس الثورة، فعاد الوجه الحقيقي والمدفون في زاوية كل بيت من بيوت المدينة ليظهر من جديد، كاشفاً عن مئات بل آلاف حالات الفقر والحرمان والوجع التي تُخبّئها بيوتات المدينة وأحيائها الفقيرة.

لكن، لا شك في أنّ المشهد الذي تعيشه طرابلس، من جمود أو ركود في كل شيء، من جانب الثورة والتحرّكات المطلبية، إلى الجانب السياسي والمبادرة الغائبة في هذا المجال، كلها من ضمن مشهد أوسع على مستوى البلد ككل، الذي يعيش ركوداً على كل المستويات، أشبه بالوقت الضائع، فمن لديه أوراق باقية في جعبته يصرّ على الإمساك بها إلى لحظة الحسم التي تنتظر عامل المبادرة ليحرّكها.

ولا يخرق عامل الجمود في المدينة إلا عامل اللعب على حافة الأمن، الذي صار أرتب من الرتابة بكثير. يتوزع ذلك المشهد بين تفجيرات أمنية محدودة، وإلقاء قنابل ليلية، وحوادث فردية مُتنقّلة بين منطقة وأخرى. على أن كل تلك الحركات لم تعد تجد آذاناً بين الناس الذين تعبوا من كل المشهد الذي تعوّدوا عليه وملّوا تكراره. فالمواطن الطرابلسي لا يريد مدينته ساحة صراع ولا ساحة تبادل رسائل داخلية أو خارجية. ما يهمّه اليوم هو كيف يؤمّن معيشته في ظل غلاء لم يسبق أن عاشه، وغياب فرص العمل وتراجع القدرة الشرائية، وتحوّل أكثرية العائلات الى فقراء في هذا الزمن الصعب.


MISS 3