توازن الردع مع بيت العنكبوت!

02 : 00

تصوير فضل عيتاني

يشهد جنوب لبنان، منذ أكثر من أربعة أشهر، حرباً محدودة بين «حزب الله» وإسرائيل؛ في ظلِّ حملةٍ إعلامية ينفذها إعلاميّو «الحزب»، تقول إنّ معادلة الردع بينه وبين العدو، هي التي تؤمن الإستقرار والحماية للبنان. فما هي صحة هذه المعادلة؟ وكيف تؤمن الإستقرار للبنان؟

عندما يتحدّث الخبراء الاستراتيجيون عن التوازن والردع، بين فريقين متصارعين، يستحضرون دائماً عناصر القوة لكل فريق، في السياسة والإقتصاد وانتهاءً بالعسكر... ويجرون مقارنة تؤدي حتماً إلى توضيح قوة كل فريق. وفي لبنان اليوم، عندما يتحدث بعض رجال السياسة والفكر والإعلام عن معادلة الردع وتوازن الرعب بين «حزب الله» وإسرائيل، يصبح لزاماً على كلِّ لبناني، أن يُجري دراسة مقارنة، ولو بسيطة، لموازين القوى بين الفريقين، ليصل إلى اتِّخاذ الموقف من هذه «الميني حرب» التي تدور رُحاها، حتى اليوم، فوق أرض الجنوب. في السياسة الداخلية لكلٍّ من الفريقين، نجد أنّ إسرائيل تخوض حربها بكلِّ شعبها وبحكومة وحدة وطنية؛ بينما يخوض «حزب الله» حربه، بأقلية لبنانية وبحكومة مجتزأة وموقتة وسط معارضة أغلبية شعبية لبنانية. في السياسة الخارجية، تخوض إسرائيل حربها، على الأقل بعدم رفض إقليمي (باستثناء إيران) وبمباركة دولية؛ بينما يخوض «الحزب» حربه بمعارضتين إقليمية ودولية. وإذا ما تطور الوضع نحو الأخطر، فلن يجد لبنان صديقاً إقليميَّاً أو دوليَّاً يدافع عنه ويساعده لأنه كان البادئ بالإعتداء.

في الإقتصاد، لا يمكن خوض حرب من دون إقتصادٍ معافى. فالدبابات بحاجة إلى محروقات وذخيرة، وهذه بدورها إلى أموال... وإذا ما قارنَّا بين الدخل القومي للفريقين، نجد أنه تدنى أخيراً في لبنان ليصل إلى 17 مليار دولار، بينما هو ارتفع في إسرائيل ليتجاوز بعيداً الـ400 مليار دولار. في العسكر، قد يمتلك «الحزب» ترسانة كبيرة من الصواريخ، ويقول إنّ بعضها أو معظمها دقيقة، من دون أن يوضح لنا معنى هذه الدقة؛ لكن دراسة التوازن بين القوى العسكرية، لا تقتصر فقط على الصواريخ، إنما تتعداها إلى الأسلحة الكلاسيكية لتصل إلى آلاف الدبابات والمجنزرات ومئات المدافع ومئات الطائرات ومصانع الأسلحة وصولاً إلى الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة والقنابل المدمرة وعدد الوحدات القتالية وحركيتها... لتصل أخيراً إلى الردع النووي الذي تمتلك منه إسرائيل حوالى 75 رأساً نووياً على الأقل؛ علماً أنّ النووي ليس للإستخدام بقدر ما هو للردع؛ لكنه يبقى لدى كل الدول الذي تمتلكه بمثابة «بوليسة تأمين على الحياة» لهذه الدول. فأين يجد الحزب في هكذا مقارنة تعادلَ ردعٍ أو توازن رعب؟

طبعاً لا يرغب «الحزب» بالوصول إلى حربٍ مفتوحة لأنّه الفريق الأضغف، إنما يريد كسب الحرب بالتراكم وعلى عقود، على طريقة الحروب الثورية. لكن لبنان ليس محتلاً من إسرائيل كما كانت الجزائر وفيتنام من فرنسا؛ وثانياً من قال إنّ إسرائيل التي تمتلك كل هذه الترسانة ترضى بخوض حروب استنزاف لـ»تهدينا» التراكم؟ وهل الإختلاف على بعض «الدونومات» حول الخط الأزرق يستوجب فتح حرب ثورية؟

إذا كانت كل هذه الترسانة العسكرية والنووية، هي أوهن من «بيت العنكبوت» كما جاء في خطاب أمين عام «حزب الله» منذ أيام، فمن هي إذاً الجهة التي دمرت غزة وقتلت أبناءها؟ ومن يدمر الجنوب حالياً ويصطاد خيرة شبابه ويهجّر أبناءه؟

الخطاب التضليلي الذي ينتهجه «الحزب»، وفيه يدّعي تحقيق معادلة وتوازن الرعب مع إسرائيل، لم يعد ينطلي على أحد في لبنان خاصة على الجنوبيين بعد كل هذه المآسي التي يتعرضون لها. وبمقارنة بسيطة يمكن التأكيد أنّ الجنوب بقيَ مستقراً لعقدين بعد هدنة 1949، يوم كانت الدولة اللبنانية وحدها سيدة على أرضه. ويوم تراجع دور الدولة في الجنوب، تعرّض للتخريب والتدمير في عصر الفدائيين وعصر «حزب الله». لذا يمكن التأكيد أنّ الدولة وحدها هي الوحيدة القادرة على تأمين توازن الردع مع إسرائيل، بدءاً بالسياسة والدبلوماسية والإقتصاد قبل أن نصل إلى العسكر؛ وليس بخطابات الحشد والتضليل كما يحصل حالياً التي لم تنتج سوى الخراب والدمار على مدى العقود الأخيرة.

(*) نائب سابق في «تكتل الجمهورية القوية»

MISS 3