رفيق خوري

دور "الإعتدال" السني والرأسمال السياسي للحريري

الرئيس سعد الحريري يبدو كأنه قطع نصف المسافة الى العودة. عودة، لا الى بيروت قبل ان تنضج ظروفها بل الى تفعيل العمل السياسي لتيار «المستقبل» بعد عامين على تعليقه. هذا، أقله، معنى القول لجمهوره الواسع: «قولوا للجميع إنكم عدتم الى الساحة، ومن دونكم ما في شي ماشي». فكيف يجوز لمن لديه رأسمال سياسي كبير ألا يوظفه في العمل الوطني؟ الحريري أوحى أنه امتنع عن التوظيف بقرار منه، وسط الإنطباع السائد أنه ممنوع من ذلك بقرار إقليمي.

والسبب، كما قال عندما أعلن تعليق العمل السياسي، هو أنه «لا مجال لأي فرصة إيجابية في لبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والإنقسام الوطني وإستعار الطائفية وإهتراء الدولة». لكن هذا الوضع الصعب والسيئ إزداد صعوبة وسوءاً، ولن يتحسن من تلقاء ذاته. واذا كان الحريري ينتظر ان يتحسن ليعود، بدل ان يعمل مع الشركاء لتحسينه، فإن العودة تصبح أصعب وبلا جدوى. ولا شيء يحول دون تفعيل التيار قبل العودة. ألم يكن «التيار الوطني الحر» شغّالاً خلال نفي العماد ميشال عون الى باريس؟ وهل حال سجن الدكتور سمير جعجع دون ان تعمل «القوات اللبنانية» وتستقطب أجيالاً جديدة؟

ذلك ان لبنان في حاجة ماسة الى دور «الإعتدال السني» وقوته لإستعادة التوازن السياسي والوطني الذي أصيب بالخلل في غياب هذا الدور ولأسباب أخرى. ومن دون التوازن السياسي والوطني، فإن بناء الدولة يصبح مهمة مستحيلة، وأي مشروع آخر يقود الى المزيد من الأزمات والحروب الباردة وربما الحارة.

والتاريخ قريب. «الميثاق الوطني» في الإستقلال عام 1943 كان عموده الفقري الموارنة والسنّة، بشخصي الرئيس بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، ومن حولهما شخصيات بقية الطوائف. ووثيقة الوفاق الوطني» في الطائف عام 1990 كانت بين ممثلي كل الطوائف، وجعلت السلطة مشاركة بين كل الطوائف في مجلس الوزراء على قدم المساواة. لكن ما حدث بعد الطائف على يد الوصاية السورية ثم النفوذ الإيراني وصولاً الى «محور المقاومة» وشعار «وحدة الساحات» هو عكس «فلسفة» الطائف. بدل الإنتقال من سلطة الطوائف الى دولة مدنية جرى الهبوط من الطائفية الى المذهبية. وبدل المشاركة في القرار صار حتى قرار الذهاب الى حرب في يد طرف واحد ضد رغبة البقية. والحصيلة هي تهميش الدور المسيحي والدور السني والدور الدرزي. وهذا ضد منطق الشراكة.

بعد الطائف كانت المهمة الأولى الملحة هي إعادة إعمار ما دمرته حرب لبنان بين 1975 و 1990. وقد لعب الرئيس رفيق الحريري الدور الأكبر في هذه المهمة. اليوم، فإن المهمة الملحة هي إعادة إعمار الخراب السياسي الحاصل، وبدء الخروج من هاوية الأزمات المالية والإقتصادية والإجتماعية، والعودة الى التوازن السياسي والوطني. وللرئيس سعد الحريري وارث الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتيار «المستقبل» دور كبير الى جانب القيادات المؤمنة بشعار «لبنان أولاً». والدرس مكتوب على الجدار امام الجميع: الحروب الصغيرة والحسابات الضيقة بين القيادات تخدم المتحكمين بالبلد وحربهم الكبيرة. وليس صحيحاً ما يراد له أن يسود من إنطباع، وهو أن الوضع الحالي تجاوز القيادات وقدراتها وجمهور كل منها، وصار على طريق اللاعودة الى لبنان الذي نعرفه. والمطلوب ان يكون الجميع شركاء. ولا قيمة للشراكة إلا في بناء الدولة المدنية الوطنية.

أبسط ما نحتاجه هو ما قاله وعمل له جان مونيه «مهندس» السوق الأوروبية المشتركة التي صارت الإتحاد الأوروبي: «لا شيء ممكناً من دون الفرد، ولا شيء دائماً من دون المؤسسات».