العميد الركن المتقاعد ميشال الحروق

وقف الإنهيار والإنهزام

21 شباط 2024

15 : 12

"مرتا، مرتا، انك تهتمين بأمور كثيرة وتضطربين! انما المطلوب واحد". هذا القول في الانجيل المقدس ينطبق كلياً على الواقع اللبناني، فنحن نهتم لتعيين مدير لإحدى الادارات، نتقاتل على الصلاحيات، على موظف يخص هذه الجهة أو تلك والبلد آخذ في الانهيار فلا هذه الحكومة تمثل هذا الشعب ولا هؤلاء الوزراء أم النواب يقومون بواجباتهم. نرضى بهذا الوضع المزري الذي يزداد سوءاً ونحن نفتخر غير آبهين بمصلحة مواطنينا ولا بمستقبل الوطن.



هل رأيتم في أي بلد في العالم حزباً يعلن الحرب على دولة عدوة من دون أخذ رأي سلطاته الدستورية؟ هل رأيتم دولة ترضى أن يكون على أرضها قوى لها نظامها التربوي، الاقتصادي، الثقافي، الاجتماعي، المالي يختلف ويناقض دستور الدولة وقانونها؟ لماذا انتم يا أهل الحل والربط راضون بالوضع الحالي ولا تثورون على هذه الحالة، ثورة سلميّة او استقلالية؟ لماذا لا تعلنون مثلاً حكومة كالتي أعلنت في بشامون؟ تلتهون بإلقاء التهم على بعضكم البعض وتتفننون في اكتشاف التهم وتنتقمون من موظف لا يعلن الولاء لكم، وإذا مدّ يده الى الكيس الذي سمحتم به تعاقبونه لأن الأكياس هي لأشخاص معينين يحق لهم القيام بكل الموبقات.



لا تلهونا بذلك فليقف أحد زعمائنا الشرفاء ويساند غبطة البطريرك ويذهب أكثر مما ذهب إليه غبطته ويقول نحن لا نريد هذا الوضع ولا نؤيد ذلك وليننتخب رئيس بأربعين أو خمسين صوتاً لأن كلام الهرطقة أنه لا يجوز انتخاب بهذا العدد او من دون مكوّن معين، غير سليم، وهل سأل هذا المكّون عن الدستور؟



هنالك دولة اساسية في لبنان هي دولة "حزب الله" ودولة رديفة، ملحقة تغطي على تلك وتسعى لاعطاء الانطباع أنّ كل الامور في عنايتها وادارتها. بالله عليكم سمّوا لنا مؤسسة أو وزارة أو جهازاً من هذه شبه الدولة يقوم بما عليه. هل الأمن مضبوط؟ هل القضاء بخير؟ هل المالية والحالة المادية على ما يرام؟ ما هذا البلد سكانه أربعة ملايين نسمة ونصف، على أرضه خمسمئة ألف فلسطيني ومليونا مهجر سوري وكأن الحل هو بترجي الدول الغربية ومنظمات الامم المتحدة مساعدة هؤلاء على البقاء في لبنان. حدوده مستباحة، لم نتمكن حتى الآن من منع التهريب. نعجز عن ضبط الحدود وندفع غلاء في شراء السلع وفقدان قيمة عملتنا الوطنية. لماذا المسيحيون والسنة والدروز يرضون بالوضع الحالي ويغالون بانتقاداتهم ضمن الغرف المقفلة؟



ليس باستطاعة هذه التركيبة ايجاد حلول لمشاكلنا لأنّ المشكلة ليست بايجاد طريقة لحل مشكلة المودعين وتعيين رئيس للأركان، بل الحل في وجود دولة سيّدة يحكمها أشخاص ذوو مصداقية، لديهم كل الاستعداد للتضحية من اجل بناء الدولة السيدة صاحبة السلطة على كل أراضيها، وإلّا عبثاً ندّعي. لننتخب رئيساً على قسم من الدولة اللبنانية من المكوّنات غير الراضية عن الوضع الحالي ونطلب من الراغبين من اللبنانيين الانضمام لهذه الدولة وغير الراغبين يبقون في الدولة الحالية.



منذ العام 1970 ولبنان يعيش مشاكل وجودية، تارة المشكلة الفلسطينية، وتارة الصراع العربي الاسرائيلي وكله مستباح عندنا والكل يحل أموره بعكس مصالح الدولة اللبنانية. لبنان كان مدرسة، جامعة، مستشفى، حرية، اقتصاد، بنوك، ملوك وامراء وباشوات كان لهم في بلادنا "مرقد عنزة". كانت قرانا تعجّ بالمصطافين العرب والأجانب، أكبر دور الأزياء تعرض منتجاتها في مؤسساتنا السياحية. "ماذا فعلتم يا أخوان في هذا البلد؟".



ثورة، ثورة! لو كنت مسؤولاً في هذه الدولة لأعلنتها، فأنا لا ازف الى جاري موت ابنه من أجل دولة أخرى وعقيدة أخرى. ايها المسلمون اذا كنتم لا ترضون بشراكة المسيحيين أعلنوا ذلك حتى يرتب كل منا الوضع الذي يناسبه. فأنا حتى الآن أريد أن أدافع عن بيروت الشرقية والغربية، عن زحلة طرابلس وصيدا وجونية، عن عندقت وأكروم، عن بعلبك ودير الاحمر، عن صور والنبطية، عن المختارة ودير القمر. واذا كنتم لا ترغبون بذلك قولوا لنا، لقد سئمنا المماطلة والمسايرة ونحن في النصف الثاني من عمرنا نريد أن نترك شيئاً لأولادنا. عاش لبنان 10452 كلم مربعاً الذي لا نزال نرغب به وليس لبنان الذي "نريد أمنه من أمن ايران".

MISS 3