الهاتف الذكي... نهاية حقبة كاملة؟

02 : 00

هل تشعر بأن هاتفك الذكي بدأ يُثقِل يديك وأن كلفته تزيد مع مرور الوقت؟ يمكنك أن تتخلى عنه الآن وتنتقل إلى جيل جديد من أجهزة رقمية أكثر تحفظاً وأقل كلفة ومعدات مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي. يمكن وضع تلك الأجهزة على طيّة السترة لسماع الرسائل الإلكترونية أو القيام بمكالمات هاتفية، أو حول المعصم لتعقب النشاطات اليومية، أو حول الإصبع على شكل خاتم ذكي لإدارة البيانات الصحية، أو في الأذن كمساعِد صوتي وموسيقي.



أهلاً بكم في حقبة ما بعد الهواتف الذكية! من المنتظر أن يُخفّض مؤتمر العالم الخلوي في برشلونة، بين 26 و29 شباط من هذه السنة، مستوى الهواتف المحمولة إلى المرتبة الثانية، تزامناً مع رفع مرتبة الأجهزة الجديدة التي أصبحت أصغر حجماً وأخفّ وزناً لكنها تحافظ على قوتها وفاعليتها.

يقول جيسي ليو، المدير التنفيذي الصيني لشركة «رابيت» التي أسّسها في الولايات المتحدة: «لقد تطوّر شكل الهاتف الذكي لدرجة أن يصعب تحديثه بما يتجاوز مستوياته الراهنة. كذلك، أصبحت الهواتف الذكية مملة بدرجة معيّنة. لهذا السبب، أردنا أن نمنح المستخدمين جهازاً ممتعاً وعالي الجودة».

يطبّق مؤسِّسا الشركة الناشئة «هيومن» المقاربة نفسها. هما مسؤولان سابقان في شركة «آبل»: مدير قسم التصميم السابق عمران شودري، ومسؤولة قسم الخدمات اللوجستية السابقة بيثاني بونجيورنو (هما متزوجان في الواقع). يطمح جهازهما AI Pin، الذي يوضع على شكل دبوس أو على طيّة السترة، إلى تجاوز الهواتف الذكية الشائعة بفضل الذكاء الاصطناعي الذي يمكن تشغيله بالصوت. انتهى زمن ألواح المفاتيح والشاشات، فقد استُبدِلت هذه المعدات بابتكارات أكثر طبيعية. حتى أن هذا الجهاز يستطيع أن يعكس شاشة افتراضية على راحة اليد أو أي نوع آخر من الأسطح. يتكلم المستخدم مع هذه الآلة التي تثبت أهميتها في أسرع وقت، فتعطي أجوبة مناسبة وفورية على أسئلته، وكأن الذكاء الاصطناعي راح يبحث عنها في حاسوبه أو في هاتفه الذكي رغم عدم وجود هذه الأجهزة في نظامه.

ذهب البعض إلى حدّ توقّع نهاية عصر الهواتف الذكية قريباً. خلال نقاش في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في أيار 2022، أعلن بيكا لوندمارك، رئيس شركة «نوكيا» التي كانت رائدة عالمياً في مجال الهواتف المحمولة في مرحلة سابقة: «بحلول العام 2030، لن يعود الهاتف الذكي بالشكل الذي نعرفه الواجهة الأكثر شيوعاً. سيصبح جزء كبير من تلك الأجهزة مدمجاً في أجسامنا مباشرةً». منذ عشر سنوات، أنهت هذه الشركة الفنلندية مرحلة تصنيع الهواتف الخليوية عبر إحالتها إلى شركة «مايكروسوفت».

التحكم بالأجهزة عبر التفكير

برأي مدير قسم الدراسات في موقع Le Comptoir Prospectiviste، أوليفييه باران، يرتفع احتمال أن يختفي الهاتف الذكي بالشكل الذي نعرفه خلال فترة قصيرة نسبياً. من وجهة نظره، لا أهمية للابتكار الذي سيصبح بديلاً عن الهاتف الذكي، فقد تكون الأدوات البديلة عبارة عن أجهزة تُعلَّق على شكل دبوس، أو خاتم، أو سوار، أو نظارات، أو عدسات، أو أجهزة بيوميكانيكية مزروعة. هو يتطرق أيضاً إلى شركة «نورالينك» الناشئة التي شارك إيلون ماسك في تأسيسها في العام 2016 لتطوير أجهزة تُزرَع في الدماغ، وقد طُرِح أول ابتكار من هذا النوع في 28 كانون الثاني وجرت تجربته على أحد المرضى. يظن باران أنها أول خطوة على طريق تبنّي تلك الواجهات البشرية الآلية.

في نهاية كانون الثاني، أكد رئيس شركة «تيسلا» من جهته على احتمال أن يسمح ذلك الجهاز المزروع للمستخدم بالسيطرة على هاتفه وحاسوبه والتحكم بجميع الأجهزة الأخرى من خلال التفكير بكل بساطة، إلا إذا أصبحت الهواتف المحمولة ابتكاراً قديماً بسبب «المعلومات المكانية» المستعملة في خوذة Vision Pro من إنتاج شركة «آبل».

سبق وتراجعت المبيعات العالمية للهواتف الذكية الجديدة بنسبة 3.2% في العام 2023، فاقتصرت على 1.17 مليار وحدة. توضح نبيلة بوبال، مديرة قسم الأبحاث في شركة البيانات الدولية: «بدأ السوق العالمي يتراجع منذ العام 2017، باستثناء العام 2021. وسجّلت سنة 2022 أكبر تراجع، فبلغ الانخفاض السنوي 12%. ومع استمرار التراجع في العام 2023، بلغنا أدنى مستوى على الإطلاق منذ عشر سنوات». تكمن الأسباب على الأرجح في التضخم وخسارة القدرة الشرائية بسبب تشبّع الأسواق الأكثر تقدماً. تضيف بوبال: «ينجم التراجع المستمر منذ العام 2017 عن زيادة مستوى انتشار الهواتف الذكية، وقلة الابتكار، ثم جائحة «كوفيد-19» وما رافقها من إقفال وتداعيات اقتصادية حتى العام 2023». اليوم، تُمهّد عودة الأجهزة المحمولة المتنافسة لإضعاف مبيعات الهواتف الذكية.

تجارب غير مرئية 


هل ستكون الهواتف الذكية إذاً محكومة بالتهميش قريباً، كما حصل مع الحواسيب المنزلية أو أجهزة تشغيل الموسيقى؟ يُفترض أن يصبح الهاتف المحمول متناغماً مع جميع الأجهزة الشخصية الحديثة منعاً لتهميشه، فيتحوّل بدوره إلى مساعِد شخصي يمكن التحكم به بالصوت. يقول توماس هيوسن، محلل في المنظمة البحثية «فورستر»: «قد يسمح الذكاء الاصطناعي بتحويل هواتفنا الذكية إلى حاسة سادسة مستقبلاً. من خلال وصلها بأجهزة استشعار ومقاربات على صلة بالأنظمة البيئية، قد تتوقع الهواتف حاجاتنا وتقدّم لنا تجارب غامرة وغير مرئية».

سبق واستنتجت شركة «سامسونغ» أن الذكاء الاصطناعي قد ينعكس إيجاباً على أنظمة التحكم بابتكاراتها الجديدة، ومن المتوقع أن تطلق الشركة في العام 2024 الجيل السادس من الهواتف الذكية القابلة للطيّ. يأمل المسؤولون في أن تتجاوز هذه الابتكارات مستوياتها الراهنة. في فرنسا، زادت مبيعات الهواتف القابلة للطيّ بنسبة 39% في العام 2023، فتجاوزت قيمتها المليار يورو. ستعمل شركة «آبل» بدورها على إنتاج نماذج أولية من أجهزة «آيفون» القابلة للطيّ.

هل يمكن أن يعيد الذكاء الاصطناعي تحريك المبيعات العالمية للهواتف الذكية؟ تتوقع مصادر في شركة البيانات الدولية أن تتحسن أرقام السوق في العام 2024، فيصل النمو المرتقب إلى 3.5%. في سوق المعدات المنزلية في فرنسا، يحتل الهاتف الذكي المرتبة الأولى من بين الابتكارات التي ينوي المستهلكون شراءها في العام 2024، وهو يتفوّق على الأجهزة المنزلية الصغيرة. بعبارة أخرى، لا يزال قطاع الهواتف المحمولة قادراً على جذب المستهلكين، لكن لا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع.

MISS 3