رفيق خوري

أبعاد الطبعة الإيرانية من "وحدة الساحات"

24 شباط 2024

02 : 00

لا أحد يدرك تعقيدات الأوضاع اللبنانية والإقليمية أكثر من اللاعب المسلح الذي يميل في خطابه الى تبسيط المشهد. وكل شيء يوحي أن اللعبة أكبر مما يراد لها ان تبدو عليه. فلا ربط لبنان بحرب غزة هو مجرد خيار عسكري إتخذه «حزب الله» لمساندة «حماس» وفرضه على البلد والقوى العربية والدولية التي تحاول مساعدته على تجنب حرب شاملة كما في ترتيب قضاياه.

ولا «محور المقاومة» الذي صار لبنان في قلبه، على الرغم منه، هو مجرد محور قتالي مع العدو الإسرائيلي. ومن الطبيعي أن تكون «وحدة الساحات» جزءاً من منظومة جيو سياسية واستراتيجية بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران. وليس من الخيال تخوف كثيرين في الداخل والخارج من الإنتقال بالتدرج من وحدة القرارات العسكرية والسياسية خارج الإطار الشرعي الرسمي الى وحدة السيادات وربما وحدة البلدان.

ذلك ان «وحدة الساحات» كانت أساس السياسة الرسمية العربية منذ الحرب العربية منذ الحرب الأولى مع إسرائيل عام 1948 حتى حرب 1973 مروراً بحرب 1967 وضمن «الدفاع العربي المشترك» ثم «إتفاق القيادة العربية الموحدة» لمنع إسرائيل من تحويل نهر الأردن عبر روافده العربية. كان تصنيف لبنان في تلك المرحلة هو «دولة مساندة» بالتفاهم مع «دول المواجهة». لكن الخلافات السياسية واختلاف الرؤى بين الدول بعد حرب 1973 وبدء الأحاديث عن عملية سلام وضعت على الهامش الطبعة العربية من «وحدة الساحات». وحين قامت جمهورية الخميني عام 1979، وهو عام كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل كمقدمة لإتفاقات أخرى، فإنها أمسكت بورقة القضية الفلسطينية للدخول في النسيج العربي. ثم كان تنظيم الميليشيات الإيديولوجية المذهبية المسلحة في عدد من الدول العربية، والمرتبطة بفيلق القدس في الحرس الثوري، على الطريق الى الطبعة الإيرانية من «وحدة الساحات».

وليس قتال إسرائيل سوى واحدة من مهام هذه الميليشيات. اما المهام الأخرى، فإن اهمها إقامة سور حماية من الجبهات التي تدافع عن نظام الملالي، من حيث قال الإمام الخميني إن «الحفاظ على النظام هو واجب الواجبات». وما يقوم به حالياً «محور المقاومة» من خارج القرار الرسمي في كل بلد هو أمران: أولهما ما حدده السيد حسن نصر الله بالقول:»هدفنا في محور المقاومة في هذه المعركة هو ان يُهزم العدو بفشله في تحقيق أهدافه وأن تلحق به أكبر الخسائر الممكنة، وأن تخرج غزة وخصوصاً حماس منتصرة». وثانيهما إعطاء طهران ورقة قوية في التفاوض مع أميركا على ترتيب إقليمي واسع. وهذا ليس سراً، اذ ألمح اليه وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في بيروت، وأشار اليه بصراحة الجنرال محسن رضائي القائد سابقاً في الحرس الثوري عبر القول: «اليوم يتحدد مصير غرب آسيا، خصوصاً بعد أحداث غزة. هناك تنافس بين الدول، وإيران وجدت كرسيها بين هذه الشعوب وعليها تثبيته» وتوظيف موقعها «الجيو ستراتيجي» المهم.

وحسابات اللعبة الجيو سياسية تتقدم على خسائر اللبنانيين ومعاناتهم والتضحيات. ولا يبدل في الأمر حجم الخسائر عند العدو. فالواقع أن «حزب الله» يستطيع ان يُلحق أكبر قدر من الدمار بإسرائيل، لكنه لا يستطيع منعها من تدمير لبنان.

وقديماً قال الإستراتيجي الكبير كلازفيتز:»تجب الموازنة بين كلفة الحرب وفوائدها السياسية».

MISS 3