جاد حداد

The Interpreter... قصة مشوّقة داخل مقر الأمم المتحدة

17 تموز 2020

02 : 00

يقدم فيلم The Interpreter (المترجِمة الفورية) للمخرج سيدني بولاك قصة مشوقة وذكية تتمحور حول نيكول كيدمان بدور مترجِمة فورية في الأمم المتحدة، وشون بين بدور عميل في جهاز سري. لن تجمعهما علاقة رومانسية كما يتوقع الكثيرون، بل ينشغل الممثلان هذه المرة في خوض لعبة خطيرة والبقاء على قيد الحياة ومنع جريمة قتل. لكنهما يتقربان من بعضهما بطريقة مختلفة لأنهما يتقاسمان خسارة مشتركة ويتعاطفان مع الشخص نفسه لأسباب إنسانية. في إحدى اللحظات، تضع رأسها على كتفه ويحضنها وكأنه يريد حمايتها من كل شيء. يستحق الفيلم الإشادة لأنه يعرض هذا النوع المختلف من المشاعر.

صُوّر الفيلم في معظمه داخل مقر الأمم المتحدة وفي محيطه، بما في ذلك غرفة الجمعية العامة. إنه أول عمل يحصل على الإذن للتصوير هناك. هذه المعلومة مهمة لأن الموقع يعطي طابعاً صادقاً لجميع الأحداث المطروحة.

يحمل الفيلم طابعاً واقعياً إذاً، وليس مجرّد قصة مشوّقة حيث تكون الأحداث مبالغاً فيها. يتم استدعاء العميلان "وودز" (كاثرين كينر) و"كيلر" (شون بين) إلى الأمم المتحدة بعدما تسمع المترجِمة الفورية "سيلفيا بروم" (نيكول كيدمان) تهديداً بالقتل عن طريق الخطأ. ذلك التهديد يستهدف حاكماً دكتاتورياً أفريقياً اسمه "زواني" (إيرل كاميرون)، علماً أنه كان يحظى باحترام الجميع لكنه متّهم الآن بارتكاب إبادة جماعية. لذا يعلن أنه سيخاطب الجمعية العامة للدفاع عن سياساته. في المقابل، يقول رئيس الجهاز السري (يؤدي دوره المخرج بولاك) إن آخر ما تحتاج إليه الولايات المتحدة في هذه المرحلة من التاريخ هو اغتيال زعيم أجنبي على الأراضي الأميركية.





من الواضح أن "زواني" يمثّل رئيس وزراء زيمبابوي روبرت موغابي الذي اعتُبر في فترة معيّنة محرر البلاد قبل أن يعود ويستعمل المجاعة كأداة سياسية. سرعان ما نعرف أن "سيلفيا" نشأت في بلد "زواني" وكانت تدعمه في السابق، ثم شاهدت مقتل والدَيها وشعرت بخيبة أمل كبرى. هي تجيد لغات متعددة، بما في ذلك لغة "كيو" الرسمية في جمهورية "ماتوبو" (الخيالية)، وقد أصبحت مترجمة فورية في الأمم المتحدة قبل خمس سنوات.

بعد إبلاغها عن التهديد بالقتل، تتوقع أن يصدّقها الجميع. لكن يستخلص "كيلر" استنتاجاً فورياً مفاده أنها تكذب! يشير جهاز كشف الكذب إلى أنها "تتعرض لمستويات مرتفعة من الضغط النفسي لكنها لا تكذب". هل هي صادقة إذاً أم كاذبة؟ نشاهد مجموعة من المشتبه فيهم، منهم المسؤول الأبيض عن أمن "زواني" واثنان من خصومه السياسيين. يتحرى "كيلر" عن ماضي "سيلفيا" ويقتنع بأنها تحمل أسباباً وجيهة كي ترغب في موت "زواني"، مع أنها تؤكد على انضمامها إلى الأمم المتحدة لأنها تدعم التغيير السلمي.

ثم تقول للعميل "كيلر" الذي يحمل بدوره مشاعر من الحزن ورغبة دفينة في الانتقام: "الانتقام شكل كسول من الحزن"! كما تخبره عن عادة شائعة في "ماتوبو": حين يقتل أي رجل فرداً من عائلتك، يتم تكبيله بعد القبض عليه ويُرمى في النهر. ثم تستطيع العائلة أن تختار إنقاذه أو تركه يغرق. إذا غرق القاتل، يحصل الناس على انتقامهم لكنّ الحزن يلازمهم طوال حياتهم. وإذا أنقذوه، يتحررون من حزنهم.

نيكول كيدمان نجمة حقيقية تجيد خوض التحديات الدرامية وتأخذ المجازفات دوماً. يكفي أن نشاهد أدوارها في أفلام مثل Birth (الولادة)، وThe Human Stain (وصمة العار البشرية)، وDogville، وThe Hours (الساعات)، وThe Others (الآخرون)، وMoulin Rouge. وفي فيلم The Interpreter، تستعمل لكنة جنوب أفريقيا بطريقة مبهمة وتتضح عليها معالم خوف طفولية رغم مهنتها الجدّية. هي تتخلى هذه المرة عن فخامتها وتقدم أداءً مقنعاً بدور امرأة تحمل قناعات ثابتة. يضاهيها شون بين من حيث الاحترافية، فيكتفي أحياناً بالجلوس والنظر إليها وكأنها ستنهار أخيراً وتخبره بما يظن أنه يعرفه. من المشوّق أن يحمل في عقله احتمالات متعددة في الوقت نفسه بدل أن يصدّق بكل بساطة النظرية الأكثر شيوعاً وسط الرأي العام.

أخيراً، قد لا يكون المشهد النهائي ضرورياً لأنه يبدو أشبه بـ"خاتمة إلزامية". لكننا لن نشاهد على الأقل علاقة رومانسية مألوفة ومتوقعة في هذا العمل. بل تشبه علاقة البطلَين الرابط الذي جمع بين روبرت فورستر وبام غرير في فيلم Jackie Brown للمخرج كوينتن تارانتينو، حيث يؤدي الممثلان دور راشدَين يحملان خلفية عاطفية مضطربة لدرجة أن يعتبرا الرومانسية جزءاً من العادات الغريبة في بلد آخر!