لم يسبق للإدارة الأميركية أن تبنّت فرضية الحرب الواسعة التي قد تشنّها إسرائيل على لبنان. غير أنّ ما نقل أمس عن مسؤولين مقربين من الرئيس الأميركي جو بايدن، من شعور بالقلق من عملية برية ضد «حزب الله» في لبنان في الأشهر المقبلة، بدّل صورة الموقف الأميركي المعروف منذ تشرين الأول الماضي. فهل يعني هذا التبدّل أنّ أفق الحلول الديبلوماسية للمواجهات على الحدود الجنوبية أصبح مسدوداً؟
في أي حال لم تأتِ هذه الصورة القاتمة من فراغ، وفقاً لما أورده تقرير الشبكة الأميركية CNN. فبحسب مصادر ديبلوماسية تحدثت اليها «نداء الوطن»، أعرب مسؤولون عرب وغربيون عن «خشيتهم من تدهور الوضع في الجنوب وانعكاساته على المنطقة باعتبار أنّ اندلاع شرارة الحرب في لبنان ستنعكس على العراق والمنطقة ككل». ولمست المصادر «وجود توافق دولي على أنّ مفتاح الحل لكل ذلك هو وقف الحرب على غزة». غير أنّ المصادر قالت: «إنّ المعلومات لا تزال متناقضة حول التوصل الى هدنة قريبة في غزة».
من ناحيته، أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى «رويترز» أنّ ثمة «حديثاً جدياً عن وقف العمليات العسكرية في غزة مطلع الأسبوع المقبل، يسمى «تفاهم رمضان».
أما في ما يتعلق بلبنان، فقال ميقاتي: «إنّ وقف القتال في غزة سيطلق المحادثات حول التهدئة في لبنان، وأثق بأنّ «حزب الله» سيوقف إطلاق النار إذا فعلت إسرائيل الشيء نفسه». وأشار الى أنّ المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين «سيزور لبنان قريباً».
وبالعودة الى تقرير الـ CNN، فقد أشار الى أنّ إدارة بايدن عقدت إحاطات استخباراتية، استعداداً لاحتمال عدم إجبار منظمة «حزب الله» على الانسحاب من الحدود مع إسرائيل من خلال الإجراءات الديبلوماسية. وقال أحد كبار المسؤولين إنّ إدارة بايدن «تعمل على افتراض» أنّ عملية برية ستحدث في الأشهر المقبلة، لكنه لا يتوقع أن تكون العملية وشيكة «في الأسابيع القليلة المقبلة»، وأوضح أنه «ربما تتم العملية في وقت لاحق من هذا الربيع»، مفترضاً أنّ «عملية عسكرية إسرائيلية هي احتمال واضح».
ولم يقتصر تقرير الشبكة الأميركية على فرضية «العملية البرية» فحسب، إنما استند الى مسؤول مخابرات أميركي أكد أنّ واشنطن تخشى أن «تتحول الضربات العميقة في لبنان إلى حملة جوية واسعة تصل إلى الشمال، وإلى مناطق مأهولة بالسكان في لبنان، ثم ترتفع وتيرتها في نهاية المطاف إلى توغّل بري».
في المقابل، لم يسقط الرهان بعد على الوساطة التي يتولاها هوكشتاين، وقال المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية :»إذا نجح آموس في التفاوض على ترتيب المواجهة، فإنّ احتمال القيام بعملية عسكرية، في وقت لاحق من هذا العام، سينخفض بشكل كبير». كما قال مسؤول كبير آخر في إدارة بايدن: «أعتقد أنّ ما تفعله إسرائيل هو أنها تثير هذا التهديد على أمل أن يكون هناك اتفاق عن طريق التفاوض».
لكن أخطر ما قاله المسؤول الأميركي الأول، هو أنه «حتى لو كان هناك اتفاق، فإنّ التوغل البري قد يكون حتمياً، ما من شأنه أن يسمح لإسرائيل «بجزّ العشب»، وتدمير البنية التحتية الواسعة لـ»حزب الله» بالقرب من الحدود لإبطاء أي محاولة للعودة».
كما قال المسؤول الأميركي الكبير: «أياً تكن مسافة الكيلومترات العازلة التي يتم التفاوض عليها، فلن يبقى «حزب الله» خارجاً إلى الأبد، لكن (المسافة العازلة)، ستوفر على الأقل بعض الضمانات بأنهم («حزب الله») لن يعودوا على الفور». وخلص الى القول إنه «إذا لم يحدث غزو، فستحتاج قوة حفظ السلام التابعة لـ»اليونيفيل» والجيش اللبناني إلى الانتشار بأعداد كبيرة داخل المنطقة العازلة المخطط لها».
وقالت السفارة الأميركية في إسرائيل لشبكة CNN رداً على التقرير: «لن تعود دولة إسرائيل إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب حيث يشكل «حزب الله» تهديداً عسكرياً مباشراً وفورياً لأمنها على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية».
وفي مكالمة هاتفية، أكد وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت لنظيره الأميركي لويد أوستن أنّ إسرائيل «لن تتسامح مع التهديدات ضد مواطنيها وانتهاكات سيادتها، وستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان أمنهم».
في موازاة هذه المعطيات السياسية، حافظت المواجهات الميدانية على وتيرة متصاعدة من العنف. فقد قتل عنصر من «حزب الله» جراء غارة إسرائيلية استهدفت أمس شاحنة يستقلها في ريف حمص غرب سوريا قرب الحدود مع لبنان، تزامناً مع ضربة أخرى استهدفت موقعاً قرب دمشق، بعد ساعات من غارات مشابهة قرب العاصمة السورية مساء الأربعاء، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وبالتزامن مع ضربة حمص، تكررت الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا مرة أخرى امس، واستهدفت ثلاثة صواريخ وفق «المرصد» «موقعاً تابعاً للدفاع الجوي والرادارت قرب مشروع دُمّر» في محيط العاصمة دمشق.