بعدما حرص نظام الجمهورية الإسلامية على استبعاد أي مُعارض فعليّ من الترشّح للانتخابات، وذهب إلى حدّ ضرب «الإصلاحيين» وتفتيتهم، نظّم بالأمس «انتخابات صوَرية» لمجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة، في عملية اقتراع يبقى الرهان الرئيسي فيها على نسبة المشاركة في ظلّ توجّه المحافظين بدرجات تشدّدهم المتفاوتة إلى الاحتفاظ بمقاليد الحكم، بينما رأى متابعون أن هذه العملية برمّتها استحالت «مهزلة موصوفة» بكلّ ما للكلمة من معنى وأكثر من أي وقت مضى منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، معتبرين أنّها بمثابة «مبارزة ودّية» بين «الولائيين» فحسب، وبعبارة أخرى، يُمكن تلخيص المشهد بالقول إنّ الخمينيين نافسوا الخمينيين!
وفيما نجحت طهران في إخماد ثورة «إمرأة، حياة، حرّية» التي زلزلت البلاد عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في أيلول 2022 بُعيد توقيفها من قِبل «شرطة الأخلاق» لعدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامية الصارمة، زعم هادي طحان نظيف، المتحدّث باسم مجلس صيانة الدستور المسؤول عن تنظيم الاقتراع، أن نسبة المشاركة في مراكز الاقتراع البالغ عددها 59 ألفاً «أعلى» من تلك المسجّلة في الانتخابات السابقة عام 2020 حين لم يتجاوز عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 42.57 في المئة، وهو أدنى معّدل منذ عام 1979، بحسب الأرقام الرسمية.
وأعلنت وزارة الداخلية تمديد التصويت حتّى منتصف الليل، رابطةً القرار بـ»المشاركة الواسعة»، في حين يُتوقّع أن تُعلن الأحد نتائج انتخابات مجلس الشورى، على أن ينعقد المجلس في أيّار. وطبقاً للتقاليد، افتتح المرشد الأعلى علي خامنئي عمليات الاقتراع بالإدلاء بصوته بُعيد الساعة الثامنة صباحاً. وفي تصريح مقتضب، دعا خامنئي الإيرانيين إلى «التصويت فور الإمكان»، بعدما حضّ الأربعاء على مشاركة كثيفة في التصويت.
وعرض التلفزيون الحكومي بعد ذلك صوراً لمراكز الاقتراع حيث اصطفّ رجال ونساء بهدوء، بشكل منفصل، للإدلاء بأصواتهم، بينما انتشرت قوات الأمن بأعداد كبيرة في وسط طهران، بحسب وكالة «فرانس برس». وداخل مركز اقتراع في جنوب طهران، أوضحت مرادياني، وهي مدرّسة تبلغ 35 عاماً، أنّها أدلت بصوتها لأنّ «المرشد الأعلى قال إنّ المشاركة واجبة على الجميع، مثل الصلاة!».
في المقابل، أشار هاشم، وهو فنّان يبلغ 32 عاماً من خوزستان، إلى أنّ «الكثير من الناس لا يُدلون بأصواتهم لأنّهم غير راضين عن الوضع السياسي والاقتصادي... مع ارتفاع الأسعار كلّ يوم» في ظلّ نسبة تضخّم تُناهز 50 في المئة، فيما قالت هانا (21 عاماً)، وهي طالبة من كردستان تُقاطع الانتخابات: «لو أدليت بصوتي، ما الفائدة؟ المسؤولون المنتخبون لا يحترمون وعودهم». بدوره، قاطع أستاذ الرياضيات بدرام الانتخابات «لأنّني لا أُريد المشاركة بعد الآن في اللعبة الدعائية» للسلطة.
في الأثناء، قضت محكمة إيرانية بسجن المُغنّي شروين حاجي بور 3 سنوات على الأقلّ بعدما أصبحت أغنيته «براي» («من أجل») نشيد ثورة «إمرأة، حياة، حرّية». وأعلن حاجي بور البالغ 26 عاماً في رسالة نشرها عبر حسابه على «انستغرام» أنه دين بالسجن بتُهم «التحريض وإثارة أعمال شغب تهدف إلى الإخلال بالأمن القومي» و»الدعاية ضدّ النظام».