حذّرت مصادر مالية ونقدية من نقص الشفافية الذي وصم مسألة تمويل زيادات رواتب القطاع العام التي أقرّها مجلس الوزراء الأسبوع الماضي في الدقائق الأخيرة للجلسة مثلما كان مدبراً لذلك الإمرار السريع بلا نقاش، بحسب مصادر وزارية. فعلى الرغم من تطمينات وزارة المالية ومصرف لبنان، بقيت الشكوك محيطة بالكلفة النهائية لتلك الزيادات، إذ أكد مصدر في «الدولية للمعلومات»، كما عدد من النواب المتابعين للشأن المالي العام «أنّ تلك الكلفة قد تراوح بين 130 و200 تريليون ليرة. فالفرق شاسع لدرجة مخيفة»، بحسب تلك المصادر، ما يذكّر بالأخطاء الشهيرة والمكلفة التي ارتكبت في سلسلة الرتب والرواتب عام 2017.
وقالت المصادر: «قدمت وزارة المالية الى مجلس النواب موازنة عاجزة، وبعد أشهر من نقاشها الصعب في لجنة المال والموازنة، وفي الأيام الأخيرة لإقرارها، زادت الوزارة أرقام الإيرادات بشكل كبير من دون إعطاء تفسيرات كافية عن تلك الزيادة ومصادرها».
أما كيفية تمويل الزيادات أو التعويضات للموظفين، فتارة تقول مصادر وزارة المالية ومصرف لبنان أنها من «الجباية»، وطوراً لا تستبعد مصادر المصرف «تأمين الدولارات تحت أي ظرف أو رقم، لتمويل الزيادات وإعطاء الموظفين رواتبهم بالعملة الصعبة».
وطالبت المصادر بمزيد من الافصاحات، ولا سيما من المصرف المركزي الذي تبيّن أنه زاد احتياطي العملات الأجنبية لديه، لكن ذلك «يبدو في غير مصلحة المودعين، بل الموظفين إذا طلبت منه منظومة الحكم ذلك».
على صعيد آخر، أشارت المصادر الى أنّ مصرف لبنان، منذ أيلول الماضي، لا يعلن بدقة الموجودات الأجنبية الصافية لديه، والتي يرجّح أن تبلغ 7.5 مليارات دولار، علماً أنه يعلن أنّ إجمالي تلك الموجودات الخارجية يبلغ 9.5 مليارات.
وعلى صعيد متصل شكّكت المصادر في تلك الأرقام، وسألت عما إذا كانت تضم دولارات أودعتها مصارف في البنك المركزي في الأشهر الاخيرة تطبيقاً للتعميم 165. ونقص الشفافية يشمل أيضاً أرقام السيولة بالعملات الأجنبية والمطلوب من المصارف تأمينها وفق تعليمات مصرف لبنان، فهل تضم الأرقام المعلنة ما لدى العملاء من دولارات في حسابات «الفريش» أم لا؟ فمصادر المركزي والمصارف «تمغمغ» الجواب!
وكان الحاكم بالإنابة وسيم منصوري وعد بأنّه سيعقد مؤتمراً صحافياً يردّ فيه على كل تلك الاستفسارات، لكنه لم يحدّد موعداً بعد. وبين ما يفترض توضيحه ما أثير عن الآثار الجانبية التقشفية لسياسة ضبط الكتلة النقدية بالليرة، ولا سيما ما تضخّم من تلك الكتلة بشكل معقم عمداً في حساب الدولة رقم 36 في المصرف المركزي، وهذا ما يفسّر طريقة الإنفاق العام بالقطّارة الشحيحة.
وتتراكم الأسئلة الإضافية التي ينتظر أن يجيب عنها مصرف لبنان، خصوصاً الارتفاع الكبير في الفوائد على الليرة اللبنانية، وهل يكون دائماً؟ وكيف، خصوصاً عندما تطلق منصة «بلومبيرغ» للتداول الحر؟ كما سبق ووعد مصرف لبنان، ثم أجّل ذلك الاستحقاق بذريعة الحرب على غزة والتداعيات في جنوب لبنان. بيد أنّ ذلك يبقى تنفيذه قائماً لاحقاً لأنه التزام أمام صندوق النقد الدولي.