أحمد الأيوبي

رسائل بين "الجماعة" و"القوات" و"التيار" و"الحوار"

8 آذار 2024

02 : 00

"الجماعة" اتّخذت قراراً بالتواصل مع القوى المسيحية (فضل عيتاني)

يواصل الرئيس سعد الحريري استراتيجيته القائمة على محاولة تعطيل العمل السياسي والاجتماعي في المجتمع السنّي والالتفاف على أيّ دور أو مبادرة يمكن أن تُحدِثَ نقلة نوعية في مفاصل هذا المجتمع التوّاق لعودة التنوّع، بعد أن اعتاد احتكار التمثيل السنّي سياسياً واجتماعياً. فكان الإشكال المزمن الذي عانت منه القوى والشخصيات السنية انعدام الحوار وعدم احترام التنوع، بل حروب إلغاء سياسية طالت كلّ من حاول التمايز أو المعارضة، ولهذا شنّ حملة حادّة على «الجماعة الإسلامية» في الإعلام بالحديث عن خطر التطرّف وفي اجتماعاته عند حضوره إلى بيروت في 14 شباط مع تواصل مفاعيل هذه المواقف بتسريباتٍ حادّة، كما استحضر الوزير الأسبق محمد شقير ليزاحم النائب فؤاد مخزومي في دار الفتوى، بينما تبدو الساحة السنية متحرِّكة نحو الحوار الداخلي والانفتاح والتواصل مع الشركاء المسيحيين.

كان للحريري اليد الطولى في مفاصل دار الفتوى بالتقديمات المالية، أيام توافر المال، وبالسياسة عندما كانت السلطة بيديه، كما أنّه لم يعمل على تأمين استمراريتها أيّام الرخاء، ما أوقعها في الأزمات أيّام الشِّدّة. وقد شاهد الرأيُ العام السنّي كيف عمل الحريري على كسر الجدول المقرّر لزيارته إلى بيروت في 14 شباط الماضي بحضور مفتي الجمهورية ومعه معظم الجسم الإداري في دار الفتوى إلى بيت الوسط، في دلالة على تمسّك الحريري بهذه الصورة، حتى وهو في حالة تعليق عمله السياسي.

إستحضر الحريري الوزيرَ الأسبق محمد شقير ليوقع بتاريخ 23 شباط 2024 بروتوكول تعاون بين جمعية «بيروت بخير» التي يرأسها، و»المركز الصحي العام» التابع لدار الفتوى ممثلاً بالمدير العام الدكتور الشيخ محمود الخطيب، برعاية مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بهدف «مساعدة المريض المحتاج... وتقديم التسهيلات الممكنة لاستقبال وعلاج المرضى المحتاجين على الأراضي اللبنانية كافة، والحصول على دواء آمن وفعال وبجودة عالية».

إشكالية الحريري مع مخزومي أنّه أصاب موقعاً حيوياً وهاماً عندما أنشأ وموّل الصندوق الصحي لتقديم الدعم الصحي لائمة وخطباء المساجد ومساعديهم في بيروت بعد مرور أعوامٍ على التخلّي والمعاناة لهذه الشريحة من العاملين في الشأن الديني ليس في بيروت فحسب، بل في كلّ لبنان وهذا ما لحظه مشروع مخزومي لاحقاً.

ولا يحتاج المتابع إلى كبير جهدٍ ليرى أنّ هذا التحرّك لشقير جاء رداً على مبادرة مخزومي التي سبق أن وقّعتها عقيلته مي باسم المؤسسة في 23 كانون الثاني 2024 ذلك أنّ المساندة للمؤسسات الدينية كانت متاحةً منذ زمن طويل، لكنّها لم تصبح أولوية إلاّ بعد أن حضر منافسٌ محتمل في السياسة فلعب شقير دور «القجّة» لدى الحريري وتحرّك، كما فعل في ذكرى 14 شباط تمويلياً، ليأخذ دوره في مزاحمة المخزومي.

يفرض الواقع على الشخصيات والقوى السنية التحرّك لأنّ الجمود يقوّي نظرية فشل البدائل بعد تعليق الحريري عمله السياسي، ومن هنا برزت مبادرة تكتل الاعتدال الرئاسية، ومواصلة مخزومي جهوده الدبلوماسية الخارجية وانفتاحه على «التيار الوطني الحرّ» وعلى الجماعة الإسلامية من خلال زيارة وفد من «حزب الحوار الوطني» لقيادة «الجماعة» في بيروت ضمّ عن حزب «الحوار» السفير السابق بسّام نعماني والدكتور روجيه الشويري وعن الجماعة رئيس المكتب السياسي علي أبو ياسين، النائب عماد الحوت، رئيس المكتب الإعلامي الدكتور وائل نجم وعضو المكتب السياسي عبد الرحمن اسكندراني.

النائب مخزومي قال لـ»نداء الوطن» إنّ «علاقتنا جيدة مع جميع الحركات والجمعيات الاسلامية فنحن نؤمن بضرورة ترتيب البيت السني من أجل إبعاد شبح الفتن المذهبية والطائفية، فهو مقدمة ضرورية أيضاً لتعزيز العلاقات الإسلامية - المسيحية والسنية - الشيعية. وأعتقد أن القاعدة الشعبية داخل الطائفة السنية تطالب وترتاح إلى هذا النوع من التواصل والتوافق».

وأوضح نجم لـ»نداء الوطن» أنّ النقاش تناول واقع الساحة السنية وضرورة تعزيز التعاون بين مكوّناتها وأهميّة الانفتاح على الشركاء في الوطن، وأوضح أنّ الجماعة اتخذت قراراً بالتواصل مع جميع القوى السياسية وخاصة المسيحية منها: «القوات اللبنانية» و»الكتائب» و»التيار الوطني الحرّ» والأحرار والمستقلين، ولفت إلى أنّ بوادر إيجابية بدأت تظهر في اتصالات أولية مع القوى المسيحية سترى النور قريباً بالإضافة لما تقيمه «الجماعة» حالياً من تواصل مع بقية الأحزاب والكتل النيابية، وهذا يفسح في المجال لقيامها بأدوارٍ توفيقية تسعى إليها في توجهاتها العامة.

«الجماعة» نحو القوى المسيحية

يكتسب توجه «الجماعة» نحو القوى المسيحية أهميته في أنّه يمثّل حاجة متبادلة لطرفي المعادلة. فـ»الجماعة» تريد طيّ ما أُلصِق بها من اتهامات إثر تفعيل جناحها العسكري في الجنوب وتسعى إلى تعزيز خطابها الوطني وتأكيد استقلاليتها، كما تحتاج القوى المسيحية وحلفاؤها السياديون وكذلك «التيار الوطني الحرّ» إلى تعزيز تواصلهم مع الساحة السنية، و»الجماعة» مكوِّنٌ عريق فيها له شرعيته ووزنه، خاصة بعد صدور إشارات من قيادتها في اتجاهين:

ــ الأول: ما أعلنه الأمين العام الشيخ محمد طقوش في كلمةٍ له في 5 آذار الحالي من «أنّنا نمدّ يدنا لكلّ اللبنانيين من أجل الحوار مهما ابتعدت المسافات».

ــ الثاني: أنّ قيادة «الجماعة» قرّرت مراجعة إيقاع عملياتها العسكرية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وتأثيرها على الداخل اللبناني والعمل على تجنيبه أيّ تداعيات محتملة لهذه العمليات.

في الخطّ الموازي لا يكفّ قياديون في «التيار الوطني الحرّ» عن توجيه رسائل عن جدّية المواقف الصادرة عنهم بشأن العلاقة مع «حزب الله» من دون أن يعني ذلك مواجهة طائفية مع «الحزب»، ويتحدّثون عن ضرورة إيجاد معادلة جديدة وخاصة مع المكوِّن السنّي وفق ما أكّده نائب رئيس التيار ناجي الحايك لـ»نداء الوطن» أيضاً.

رغم الجمود العام المسيطر على الواقع السياسي، إلاّ أنّ مواقف «التيار الوطني الحرّ» والإشارة الإيجابية التي صدرت من النائب أشرف ريفي نحو ناجي الحايك وإشارة مصادر ريفي إلى الاستعداد لحوار متعدِّد الأطراف في طرابلس مع دعمٍ وازنٍ من النائب إيهاب مطر وحصول تواصل أوليّ إسلاميّ قواتيّ يُضافُ إلى الاندماج الذي تبديه كتلة الاعتدال في الحراك السياسي... كلّ هذا يمكن أن يعطي الفرصة لخلط أوراقٍ يحتاجه كلّ الواقفين على رصيف الانتظار السياسي، لأنّ واقع البلد يوجِبُ كسر الاصطفافات ولو بقيت الاختلافات السياسية قائمة.

MISS 3