د. نسيب حطيط

أميركا - إيران... نار وحصار وتبادل سجناء!

25 تموز 2020

02 : 00

تشهد العلاقات الأميركية الإيرانية تناقضات مثيرة نتيجة الأوضاع التي يعيشها الطرفان وحاجة كل منهما للحوار مع الآخر وتبريد الجبهات، لكن من دون تنازلات كبرى مع محاولة كل طرف عدم القيام بالخطوة الأولى حتى لا يعتبرها الطرف الآخر هرولة وانهزاماً، فيبادر لفرض شروطه القاسية.

إن الرئيس الأميركي "ترامب" يعيش لحظات حرجة على مشارف الانتخابات الرئاسية التي يبذل جهده فيها للفوز بولاية ثانية، وسط إخفاقات داخلية وخارجية والظروف الإستثنائية القاهرة التي ظهرت فجأة قبل عام من الانتخابات، عبر حدثين خطرين يتمثلان بوباء "كورونا" وحادثة قتل المواطن الأميركي "جورج فلويد" ذي البشرة السوداء وما احدثته من جروح في المجتمع الأميركي، فتضافرت البطالة مع الوضع الصحي مع الفوضى في الشارع وأطبقت الحصار على "ترامب" في الداخل الأميركي، بالتزامن مع الإخفاقات السياسية والعسكرية في الخارج، فلا صفقة القرن نجحت ولا تقسيم سوريا ولا القضاء على ايران وبرامجها النووية والصاروخية، ولم يتم نزع سلاح المقاومة في لبنان ولم يسقط اليمن في الوقت الذي تشظّى فيه معسكر التحالف الأميركي فتصدّع مجلس التعاون الخليجي، وتم حصار قطر التي خرجت من اليمن واختلفت دول عربية في الساحة اليمنية وتقدمّت تركيا لتنافس في ساحات متعددة حتى وصلت الى لبنان.

استنفدت اميركا كل أنواع الضغط على ايران وحلفائها حتى وصلت الى العمل العسكري المباشر والواضح باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق، الذي كان اول ساحة اشتباك علني بين الطرفين بعد الرد الإيراني على القاعدة الأميركية "عين الأسد"، بعدما كانت المناوشات بالواسطة عبر حلفائهما في ساحات متعددة.

الطرف الأميركي يريد احراز ربح ما في الخارج لتوظيفه في الانتخابات الأميركية حيث يمكن وصف ولايته بولاية (اخضاع ايران)، عبر الانسحاب من الاتفاق النووي والحصار الإقتصادي والعمل العسكري المباشر وغير المباشر، في الوقت الذي تحتاج فيه ايران مع حلفائها لإلتقاط الأنفاس اقتصادياً حيث بلغ الحصار القاتل مستويات غير مسبوقة، وبدأ يهدد المجتمعات الداخلية بعدما اطبق "كورونا" الحصار القاتل على الجميع، لكنه كان أكثر ضرراً على ايران التي تعاني أصلاً من الحصار حتى في المواد والأدوات الطبية.

تملك ايران الكثير من أوراق القوة في المنطقة التي أصيبت اميركا فيها بخسائر فادحة بما يسمى الربيع العربي الدموي، ولذا فهي تتقن لعبة التفاوض وجني الأرباح خاصة وانها تمسك بورقة تهديد إسرائيل بواسطة حلفائها وورقة مضيق "هرمز" ومضيق "باب المندب" في البحر الأحمر، بينما لا تملك اميركا الا ورقة احداث الفوضى والحصار الإقتصادي الأعمى الذي سيصيب خصوم وأصدقاء أميركا معاً من دون تمييز، مع إمكانية تأمين البديل غير المتكافئ لكنه يسد الحاجات بحدها الأدنى، سواء من الصين او روسيا او الإكتفاء الذاتي.

الصراع الأميركي - الإيراني يتمثل بمشهد سوريالي غريب حيث يتزامن الحوار بالنار والحصار مع تبادل السجناء بين الطرفين (بغطاء كورونا)، والمساكنة السياسية في الحكومة العراقية مع سخونة ميدانية حيث يحشد الطرفان قوتيهما وشروطهما للحظة المناسبة قبل الإنتخابات الأميركية، حيث يعتقد الإيرانيون ان الرئيس "ترامب" سيتنازل لهم بشكل واضح لتأمين ولاية جديدة، بينما يعتقد "ترامب" ان توجيه ضربة عسكرية لإيران وحلفائها كفيل بتأمين ولاية ثانية!

ستتوالى الإنفجارات في ايران وكذلك في القواعد والقوافل والبوارج الأميركية في العالم وسيكون لبنان إحدى الساحات الرئيسة للمواجهة، والتي بدأت إعلامياً وميدانياً في الأسبوع الماضي وستتزايد وتتطور حتى تشرين موعد الانتخابات الأميركية (ناراً... وحواراً)، مع لفت الإنتباه الى ان ايران ستحمي حلفاءها وأصدقاءها، بينما سيتخلى الأميركيون كعادتهم عن ادواتهم وحلفائهم ووفق منظومتهم السياسية والسلوكية المصلحة الأميركية "أولاً" وفوق كل اعتبار... فلينتبه أصدقاء وحلفاء أميركا حتى لا يصابوا بخيبة الأمل!


MISS 3