سامي الهاشم

الثرثرة

16 آذار 2024

19 : 15

الثرثرة تعني كثرة الكلام بدون معنى أو جدوى أو هدف، ما هي إلاّ لإضاعة الوقت بأخبار وقصص لا طائل منها، تُروى بأسلوب ساذج يُزعج السامعين ويُفقد المتكلّم الهيبة والوقار.


ما أكثرها في أيّامنا الحاضرة، وكأنّها تزيد في الأوقات العصيبة وفي زمن المِحَن، كما كان يُقال:" بيحكي قد قاضي معزول..."


من أكبر مقام في لبنان إلى الأصغر، لا نسمع غير الكلام الفارغ، والوعود الطنّانة، والأقوال الرنّانة، والخطابات البهلوانيّة، والحلول التي تشبه كلّ شيء ما عدا الحلول الفعليّة!


- إفتح الراديو أو "التلفزيون" أو الجهاز الخلوي؛ أو اقرأ صحيفة أو مجلّة أو كتابًا، وخُذ على أخبار وبرامج وتصاريح ودراسات ومقالات ونظريّات، وكلّها لا تُطعم جائعًا ولا تروي غليلًا.


- تجد الإعلاميين والمحلّلين، بغالبيّتهم، يظنّون أنّهم عباقرة ومطّلعون على المعلومات والخفايا والأسرار كلّها! يُحدِّثونك عن السياسات الداخليّة والخارجيّة، ويُحاولون إقناعك بأنّهم جهابذة زمانهم، ثمّ ينتهي الحديث، فتُحاول أن تتذكّر ما قالوا، فلا تجد شيئًا، لأنّهم بالحقيقة لم يقولوا شيئًا، بل اعتنوا برصف الكلمات،" وليس معهم سوى كلمات".


- الاستراتيجيّون من قدامى العسكريين يُحدِّثونك عن فنون الحرب والعلوم العسكريّة والقتال والمعارك والانتصارات، فتظنّ أنّهم خاضوا أربعين معركة من معارك نابوليون.


- الوزراء يُخاطبونك بثقة وقوّة وكأنّ البلاد بألف خير وخير، والمشاريع والأشغال والمعاملات تسير على قدم وساق، ويتجاهلون أنّنا بتنا نفتقر إلى كلّ شيء، من الأمن، إلى الدواء، إلى إيصال عادي، إلى طابع أميري...، وهم عاجزون عن القيام بأيّ عمل مجدٍ بدلًا من الكلام والعنتريّات!


- النوّاب يعتقدون بأنّهم "شالوا الزير من البير" وبأنّهم يُشرِّعون كما يجب، ويُراقبون الحكومة ويُحاسبونها على أدقّ الأمور، ويُقرّون الموازنات ويعملون ليلًا ونهارًا لبناء الوطن وإخلاء سبيل الناس من الجحيم!


وإذا أردت أن تعرف إنجازاتهم فما عليك إلاّ أن تتذكّر كيف أُقِرَّت الموازنة الأخيرة، وبأيّ جوّ من الفوضى والاقتتال!


- بعض الكتّاب الموهومين يعتقدون بأنّ مؤلفاتهم هي ذات قيمة، وهي في الواقع مجموعة كلمات وعبارات لا تفهم منها شيئًا، ولا تعرف ماذا يُريدون؟!


- أمّا الهذيان القاتل فتجده عند أكثريّة المسؤولين في الدولة وعند المصارف وعلى رأسها مصرف لبنـان، فبعد أن نهبوا أموالنا وجنى عمرنـــا، أتحفونا بعشرات التعاميــم المصرفيّــة، وعلّمونا مفــردات جديدة مثــل المنصّة والصيرفــة واللولار وال fresh money ... والدولار الرسمي والسوق السوداء، وأربكونا بأسعاره المتعدّدة فهم يشترون دولارك ب 15000 ل.ل. ويبيعونك إيّاه، وبذات المعاملة ، ب 90000 ل.ل. وما زالوا يستعملون سياسة الإلهاء وتخدير المودعين بالوعود الفارغة!


- قد لا ننتهي من تعداد الثرثارين، وللحقيقة نقول بإيجاز كلّي كي لا نُعدّ منهم:


" خير الكلام ما قلّ ودلّ"


كلمة نعم أو لا، أحيانًا تُغنيك عن الكلام الكثير.


● علاج الثرثارين.

لا علاج ولا دواء للثرثارين إلاّ إذا أدركوا قيمة الصمت والتكلّم عند اللزوم كما قال أبو العتاهية:

" الصمت زَيْنٌ والسكوتُ سلامةٌ فإذا نطقْتَ فلا تكن مكثارا"

أو كما قال شارل مالك في خطبة له عن الصلاة:

"أعظم نوع من أنواع الصلاة الصمت "


وإذا كان لا بدّ من الكلام قولوا :

يا ربّ فلتكن مشيئتك على الأرض كما هي في السماء، ودعوا ربّكم يتدبّر الأمور.

- الإيجاز هو الأجدى، والوضوح هو الأفضل وقول الحقيقة هو الغاية النهائيّة.

- البلاغة هي " الفكرة الكاملة المُصاغَة بأقلّ عدد ممكن من الكلمات"


من أمثال:

- ما قال السيد المسيح عليه السلام:

" أنا الطريق والحقّ والحياة " ففي أربع كلمات أوجز حقائق الوجود ورسم طريق الخلاص، وركّز على الحقّ الذي لا يُعلى عليه، والحياة المرجوّة عند المؤمنين.


ـ والجملة الواقعيّة التي وضعها غاندي:

" الأنانيّة أصل الشرور."غاص غاندي إلى الأعماق الاجتماعية، وبحث عن منابع الشرور والمصائب، فوجدها كامنةً في حبّ الذات.


ـ وما جاء في مقدّمة كتاب "قطرات ندى" لراجي الراعي:

"الّله كلمة ولكنّها المعجم كلّه."

كلام غنيّ عن الشرح والتفسير.

وآيات بيّنات تُعبِّر عن أعظم وأهمّ المواضيع في اثنتي عشرة كلمة فقط!

فليتعظ الثرثار، وليأخذ أمثولة عن قيمة الكلام!


● نختصر هذه المقالة بأربع خواطر:

1- الثرثرة تحطّ من قدْر المتكلّم وتُزعج الآخرين.

2- لا تعِد إذا كنت لا تستطيع أن تُنفِّذ وعدَك.

3- من شروط الرقي، الكلام الضروري في الوقت والمكان المناسبين.

4- من شروط النجاح: العمل والإنتاج والكلام المختصر المفيد.

MISS 3