أحمد الأيوبي

"الجماعة" تتفهّم الإنتقادات: هذا ما حصل في التشييع

18 آذار 2024

02 : 00

خلال التشييع

أثار ظهور ثلاثة عناصر مسلحة وإطلاق النار في تشييع القيادي في «قوات الفجر» محمد رياض محيي الدين حفيظة نواب بيروت وضاح الصادق، إبراهيم منيمنة وفؤاد مخزومي، الذين انتقدوا المظاهر المسلحة في العاصمة ودعَوا إلى أن تكون خالية من السلاح بجميع أنواعه وانتقدوا بمستويات متفاوتة ما جرى، الأمر الذي وضع قيادة «الجماعة» أمام اختبارٍ حسّاس يكشف دقّة ما تواجهه في محاولاتها الجمع بين العمل العسكري في الجنوب وبين الضبط الداخلي وعدم الانجرار نحو الشعبوية وبين الحفاظ على ثوابتها حول الدولة والشرعية وقرارها الانفتاح على القوى اللبنانية وتفعيل عملها السياسي مواكبةً للتحوّلات الجارية في الداخل والإقليم.

تشير معلومات خاصة بـ»نداء الوطن» إلى أنّ نقاشاً داخلياً استتبع التشييع وخلص إلى ضرورة منع تكراره والاكتفاء بمواقف «الجماعة» المتعلقة بفصل سلاحها المقاوِم عن الساحة الداخلية، بينما يكشف مصدر قياديّ في «الجماعة» أنّ البنادق الثلاث التي ظهرت في التشييع حُمِلَت لرمزيتها كونها عائدة لقادتها الثلاثة الذين قضوا في الجنوب وأنّ إطلاق النار المرفوض نتج عن حماسة الشباب المتأثرين بفقد رفاقهم ولا يعبِّر عن قرار باعتماد المظاهر المسلّحة.

النائب عماد الحوت قال «لا بدّ من التوضيح مجدداً بأنّ الجماعة لم يكن من منهجها أو سلوكها يوماً أن تستقوي على أحد بقوة السلاح لأنها تؤمن بأنّ مكان السلاح هو في مواجهة العدو على الحدود، وأن في داخل المجتمع اللبناني ليس هناك عدو وإنما منافس أو صديق. وما حصل أثناء تشييع الشهداء إنما هي ردة فعل آنية من رفاق الشهداء لإظهار ترابطهم معهم ومع القضية التي استشهدوا من أجلها، قد لا يتفهّمها البعض، ولكنها من أعراف مجتمعنا الممارسة في مثل هذه اللحظات الوجدانية»، داعياً إلى وقف السجال حول هذا الموضوع، رافضاً «أن يلجأ الزملاء الى محاولة تشويه صورة الجماعة واتّهامها باتهامات باطلة، وأدعوهم الى تأجيل التنافس على الجماهيرية الى ما بعد زوال خطر العدو، وإذا أصرّوا على ذلك فأدعوهم الى استخدام الأساليب الشريفة بعيداً عن الاتهامات الباطلة».

المصدر القياديّ في «الجماعة» أبدى تفهّمه للانتقادات الصادرة لكنّه دعا إلى وضع الحدث في حجمه الحقيقي وعدم الجنوح في الإساءة بما لا يحتمله الواقع، غير أنّ متابعين للملف الإسلامي يشيرون إلى أنّه منذ تفعيل الجماعة لقوات «الفجر» وخوضها المواجهات ضدّ العدو الإسرائيلي... بدأت تظهر نزعة عند شرائح من شباب الجماعة تجنح إلى اعتبار العمل العسكري أولوية على الشأن السياسي، وأنّ بعض المسؤولين انجرفوا في التعبير عن هذه النزعة كما فعل نائب الأمين العام الشيخ عمر حيمور في ردّه على منتقدي «الجماعة».

تبدي أوساطٌ إسلامية خشيتها من خلل التوازن المحتمل بين القرار السياسي والعامل العسكري الطارئ ومن مدى تأثير مثل هذه النزعات على المسار الذي تعمل عليه القيادة الحالية للجماعة من فتح خطوط الحوار مع القوى السياسية الإسلامية والمسيحية، وتشير إلى موقف النائب مخزومي الذي انتقد المظاهر المسلحة من دون تسمية الجماعة بعد مرور وقت قليل على زيارة وفدٍ من حزب «الحوار» لقيادة الجماعة في بيروت، وهذا يُعتبر انتكاسة في السياسة.

في المقابل، يؤكِّد المصدر القيادي في «الجماعة» ثباتها على قرار التواصل والحوار مع الجميع وتمسّكها برؤيتها للدولة والسيادة والسلاح غير الشرعي التي عبّرت عنها في «وثيقة وطن» وأنّ ما جرى في بيروت تعرّض للتضخيم والإثارة السياسية والإعلامية، ويلفت إلى أن تشييع قياديَّي «الجماعة» الآخرَين محمد جمال إبراهيم في الهبارية - العرقوب والدكتور حسين هلال درويش في شحيم – إقليم الخروب تمّ بدون أي ظهورٍ مسلّح ما يؤكّد عدم اعتماد هذا الأسلوب في حالات التشييع وغيرها.

يلفت المصدر القيادي في «الجماعة» إلى حالة الالتفاف حولها في محطات العزاء سواء في بيروت أم المناطق وخاصة في عكار، داعياً إلى التمييز بين ثغراتٍ غير مقصودة تحصل مع سائر القوى في محطات مختلفة، وغالباً ما تكون خروقات الآخرين أكبر وفي العاصمة أيضاً، وبين العمل المقاوِم الذي حيّده أغلب المنتقدين لما جرى في بيروت، بل اقتصر الانتقاد على مسألة ظهور ثلاثة عناصر من الجماعة بالسلاح وحصول إطلاق نار خلال التشييع.

رغم محدودية ما حصل في بيروت من حيث الشكل، إلّا أنّ قيادة «الجماعة الإسلامية» مهمةً صعبة هي الموازنة بين ما يقتضيه العمل السياسي والالتزام بما تعلنه من عناوين حول الدولة والسيادة، وبين ما تقتضيه المشاركة في جبهة الجنوب من تعبئة، قد تدفع ببعض المتحمّسين إلى إطلاق مواقف لا تعبّر عن الموقف الرسمي كما صدر عن الشيخ حيمور، مع التذكير بأنّ الجهة المخوَّلة بالتعبير عن رأي الجماعة هي المكتب السياسي ورئيسه الدكتور علي أبو ياسين.

لا يمكن المقارنة بين قدرة قيادة «حزب الله» على ضبط صفوفه وبين قدرة قيادة الجماعة لفارق التراكم والقدرات والخبرات، ولا شكّ أنّ «الجماعة» أمام امتحان استعادة لياقتها التنظيمية والسياسية لتلائِمَ بين مغريات استعادة الشعبية من خلال العمل المقاوم وما تحمله من مخاطر، وبين التمسّك بالثوابت والتوجهات السياسية القائمة على الانفتاح والتعاون، فإمّا تنجح في الامتحان وإما تقع في دائرة العزل أو الاصطفاف مع محور الحزب وحلفائه بحكم الأمر الواقع.

MISS 3