طوني أبي نجم

لن يجرؤوا على الردّ!

27 تموز 2020

02 : 00

بالرغم من كلّ المعادلات التي وضعها "حزب الله" وأمينه العام سابقاً، ومنها أنّ استهداف إسرائيل لأيّ عنصر منه في سوريا سيُواجه بردّ إنطلاقاً من لبنان، وبالرغم من أنّ أحداً لم يشرح هذه المُعادلة، ولماذا على الردّ أن يكون من لبنان، ولماذا العجز عن الردّ من سوريا، فإنّ الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع لـ"الحرس الثوري الإيراني" في سوريا، والتي سقط فيها أحد كوادر "حزب الله"، ستبقى من دون ردّ، لأنّ الحزب ببساطة لن يجرؤ على الردّ!

بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أيّ ردّ على إسرائيل من سوريا ممنوع بالكامل على إيران وميليشياتها، بفِعل المعادلة الروسية الواضحة التي رضخ لها الجميع: لإسرائيل الحرّية الكاملة في توجيه الضربات في سوريا، إنّما من خارج الأجواء السورية، وممنوع أيّ ردّ عليها، ولأنّ أي ردّ على إسرائيل من سوريا يُهدّد بإسقاط نظام الأسد تحت الضربات الإسرائيلية، كما يهدّد بأن يكون الردّ الإسرائيلي على أي ردّ في قلب طهران. هكذا يُمكن فهم عجز إيران و"حزب الله" عن القيام بأي ردّ، إنطلاقاً من سوريا، بالرغم من كل الضربات الثقيلة التي تلقّوها هناك، والخسائر البشرية والمادية الهائلة.

لكنّ النكسة التي تُصيب "حزب الله" اليوم تكمن في أنّه ممنوع عليه أن يردّ على أيّ اعتداء إسرائيلي، مهما بلغت كِلفته، وأياً تكن ساحته. وقرار المنع هذه المرّة يأتي من إيران، التي امتنعت بدورها عن الردّ على أيّ من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت عمق الأراضي الإيرانية ومنشآتها النووية ومخازن صواريخها الباليستية، كما ستمتنع عن الردّ على الإستفزاز الأميركي لطائرتها "المدنية" في الأجواء السورية.

تُدرك إيران أنّ الوقت المُستقطع حتى الإنتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني المقبل خطير جداً عليها. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب في وضع لا يُحسد عليه في استطلاعات الرأي، ما يجعله جاهزاً لأيّ قرار، ولو عسكري ضدّ إيران، في محاولة لتحقيق أي انتصار يُحسّن وضعه الإنتخابي، وهو في هذا الإطار يحتاج فقط إلى ذريعة تُقدّمها إيران أو حلفاؤها لتوجيه ضربة قاسية إليها، تُكسبه نقاطاً إضافية ضرورية في سباقه الإنتخابي. وإسرائيل بدورها تُدرِك أنّها تمرّ في أفضل أسابيع وأشهر حتّى مطلع تشرين الثاني، وبإمكانها فعل كل ما تُريده ضدّ إيران و"حزب الله"، من دون أن تلقى أي معارضة أميركية، لا بل انّ كل ضربة توجّهها لإيران ولـ"الحزب" سيستفيد منها حليفها ترامب، إلى كونها تُحقّق لها أهدافها الاستراتيجية بالقضاء على عناصر القوة الإيرانية، لا بل إنّ إسرائيل تتمنّى وقوع أي ردّ إيراني عليها لتستغِلّه، وتوجّه ضربات ساحقة لإيران وميليشياتها وبدعم أميركي مُطلق، ما يُهدّد بتقويض النظام الإيراني المُنهك بفِعل العقوبات والحصار الدوليين، وبفعل أزمة فيروس "كورونا".

لكلّ هذه الأسباب ستتجنّب إيران أي ردّ، وستمنع "حزب الله" من أي حركة، مهما كانت الأثمان التي يدفعانها وسيدفعانها حتى 3 تشرين الثاني المقبل. لن تجرؤ إيران و"حزب الله" على الإقدام على أي خطوة أو ردّ، ولا حتى لمُجرّد حِفظ ماء الوجه. فهل تنجح الإستراتيجية الإيرانية في "تمرير الوقت"، ولو بكلفة باهظة جداً في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية؟ ومن يضمن ألّا تصل إسرائيل في هذا الوقت المُستقطع إلى ضرب منشأة "فوردو"، بعد نجاحها في الوصول إلى "نطنز"؟ وماذا يبقى عندها من هيبة إيران؟!


MISS 3