شربل داغر

أدونيس... الرسام!

27 آذار 2024

02 : 00

ما لا يعرفه البعض عن الشاعر أدونيس، هو أنه يقوم منذ بعض الوقت بإنتاج... رسوم.

وهو ما يسميه بـ»الرقائم». حتى إنه لم يتأخر عن تنظيم غير معرض له، منها معرض أخير في الولايات المتحدة الأميركية.

إنصراف مفاجئ منه إلى الفنون التشكيلية، إلا أنه يحمل من السمات ما يحتاج إلى استبيان ومناقشة.

منها أن ما يسميه «الرقائم» ليس مسعى فنيّاً جديداً بالكامل. فهو يرتكز إلى توصلات معروفة وبسيطة في الفنون التشكيلية الغربية كما العربية الحديثة. والحديث عن «رقائم» لا يعدو كونه- بعيداً عن لفظه- عودة معروفة في تجليات الحروفية العربية، وفي طرق عملها، حيث يقوم العمل الفني على مقادير من الجمع والتدبير بين الكلمة العربية وبين أدوات اللون والشكل. كما أن الحديث عن «كولاج» كتقنية في بناء العمل الفني، معروف ومتبع في الفنون الأوروبية الحديثة، لا سيما منذ مطالع القرن العشرين.

من يعرف كتابة أدونيس اليدوية- وأنا عرفتها طالباً معه، وزميلاًفي جريدة «الحياة»- يتنبه إلى أن في خطه، منذ سنوات بعيدة، ميلاً إلى التكبير، من جهة، وإلى جعله شكلاً بالتالي، من جهة ثانية.

وهذا يعني أن انتقاله إلى صفحة الفن لم يكن بالصعب... أما تحميل العمل الفني ألواناً، فلا يتعدى، في واقع العمليات الفنية (وقد اطلعتُ على بعض الأعمال)، بسطه فوق صفحة الورقة الفنية مثل لطخة وغيرها. وهذا يعني عملاً بسيطاً في التشكيل...

قد لا يفرد سجل الفن العربي الحديث مكاناً واسعاً لرسوم أدونيس، مثلما أفرد إلى جبران خليل جبران وجبرا إبراهيم جبرا وإيتيل عدنان وغيرهم. إلا أن إقباله على الفن عنى- من جهته- عناية واستثماراً (بكل المعاني) لهذا الوسيط التعبيري. هذا ما يعد نقلة لافتة من مبدع بحجمه، إلى هذا الفقير المعدوم في التعبيرية العربية بين قديمها وبما فيه الحديثة قبل العقود الأخيرة.

فمن يعد إلى كتابات ادونيس، قبل التسعينيات، لن يجد اي عناية بهذه الفنون، ما يعني أن انصرافه اللاحق، ولا سيما على إنتاج «رقائم»، يعنيان تماشياً مع ميول الزمن ومع سياسات الاستثمار.

إلا أن الظريف في ما يُقدم عليه أدونيس، سواء في تجديدات شعره، أو في تجريب بعض أعمال الفن، هو أنه يعتبرها ابتداء غير مسبوق، لا في الثقافة ولا في الآداب، فيما تتماشى وتتلاقى مع خيارات سابقة عليه.

وهو، في ذلك، يتعامل مع الصنيع الشعري أو الفني، في تنظيره له، كما لو أنه فعل خليقي: فعل التكوين. وهو ما نجده في شعره منذ بداياته، حيث لا يبنيه على بشر، إلا بالقدر الذي يعالج فيه: الريح، والهواء، والمطر، والماء، والجهات، ومخلوقات الأساطير... أي ما يُبعد هذا الشعر عن الصنيع الإنساني، جاعلاً منه فعلاً ربوبياً.

MISS 3