عبده جميل غصوب

حقوق الورثة في الحساب المشترك بعد وفاة احد طرفيه: الفرق شاسع بين القانونين اللبناني والفرنسي

30 آذار 2024

11 : 21

يبدو الحساب المشترك في لبنان، هو " الحساب العائلي" الاكثر استعمالا، اذ ان كثيرا ما يلجأ اليه اللبنانيون لحماية ودائعهم عند وفاة احد طرفي الحساب المشترك. وهنا كثرت الآراء الفقهية والاستشارات القانونية الصادرة عن مراجع مصرفية، اخطأت في الرأي القانوني السديد عندما خلطت الحلول الناشئة عن كل من القانونين اللبناني والفرنسي، في الوقت الذي يبدو فيه الفرق شاسعاً بين القانونين؛ فيقتضي توضيح هذه النقطة، حماية لحقوق الورثة وطرفي الحساب من ناحية وتصويبا للرأي القانوني من ناحية اخرى؛ فعلى ذلك سنتناول حقوق الورثة في القانون الفرنسي في فقرة أولى قبل الانتقال الى حقوقهم في القانون اللبناني في فقرة ثانية.


اولا: حقوق ورثة احد طرفي الحساب المشترك المتوفى في القانون الفرنسي:



انطلاقا من " الاعتبار الشخصي " L’intuitus personae الذي يحكم تحريك الحسابات المصرفية، يجب القول بانه، في المبدأ ، وبعد وفاة احد طرفي الحساب المشترك، لا يعود لورثته اي حق في الحلول مكان مورثهم، وتحريك الحساب؛ وحدهم، في المبدأ ، اطراف الحساب المشترك الباقون على قيد الحياة يستفيدون من الحساب المشترك.


ولكن القانون الفرنسي، وهنا الفرق الشاسع مع القانون اللبناني، لحظ ان الورثة يمكنهم منع طرف الحساب المشترك الباقي على قيد الحياة، من إفراغ الحساب . فيعود لهم المباشرة، باسم التركة au nom de la succession ، بالملاحقات المنصوص عنها في المادة 1198 من القانون المدني الفرنسي التي تنص على ما يلي:



« Il est au choix du débiteur de payer à l’un ou l’autre des créanciers solidaires, tant qu’il n’a pas été prévenu par les poursuites de l’un deux.

Néanmoins la remise qui n’est faite que par l’un des créanciers solidaires, ne libère le débiteur que pour la part de ce créancier ».



لا يعود هنا للمصرف ان يرفض اعطاء ورثة احد طرفي الحساب المشترك المتوفى، اية معلومات عن الحساب. وهنا الاختلاف الشاسع مع القانون اللبناني، كما سنبيّنه ادناه، اذ بمقتضى المادة الثالثة من القانون الذي يحكم الحساب المشترك الصادر في 19 كانون الاول 1961، "عند وفاة احد اصحاب الحساب المشترك يتصرف الشريك او الشركاء بكامل الحساب مطلق التصرف. وبهذه الحالة، ليس على المصرف اعطاء اية معلومات لورثة الشريك المتوفى. ولا يشذ عن هذه القاعدة الا اذا تضمن عقد فتح الحساب نصا صريحا بهذا المعنى".



ففي القانون الفرنسي، يعود للمصرف ان يجيز لورثة الطرف المتوفى في الحساب المشترك، ان يحلوا محل مورثهم في الحساب، ويحصل ذلك بدون إجازة الطرف الآخر في الحساب الباقي على قيد الحياة. ولكن عند عدم وجود اجازة الطرف الاخر في الحساب، فانه لا يحق للورثة سوى الحصول على الجزء من الحساب المساوي لنصيبهم الارثي؛ فاذا كان هناك، مثلا، وريثان، متساويان في الحقوق الارثية، فلا يحق لاحدهما سوى سحب نصف رصيد حصة مورثهما الدائن، الطرف المتوفى في الحساب المشترك. بينما يعود للطرف الباقي على قيد الحياة في الحساب المشترك ان يسحب كامل رصيد الحساب الدائن.



في حال اراد ورثة الطرف المتوفى في الحساب المشترك، منع احد طرف الحساب الباقي على قيد الحياة، من افراغ الحساب، فليس امامهم سوى الاتحاد فيما بينهم، على وجه السرعة، وسبق الطرف الباقي على قيد الحياة في الحساب المشترك، في سحب كامل رصيد الحساب المشترك، او ، وفي حالة عدم حصول الاتحاد فيما بينهم، فانه يحق لكل منهم ممارسة حقوقه كوريث اي كدائن متضامن تجاه المصرف المدين واجراء الملاحقات المنصوص عنها في المادة 1198 من القانون المدني الفرنسي، والتي يعود للمصرف المدين بمقتضاها، ان يدفع لاحد الورثة وهم في هذه الحالة، دائنين متضامنين ، ما يساوي حصته الارثية فقط في الحساب. ولا يصار الى تبرئة ذمته في هذه الحالة، الا بالقدر الذي دفعه للوريث الدائن، بحيث تبقى سائر حقوق الورثة، في المبدأ، على حالها. فيكون " الطرف الاسرع " في القانون الفرنسي هو المستفيد من رصيد الحساب المشترك، في حال وفاة احد طرفيه. فاذا سارع الطرف الباقي على قيد الحياة في الحساب المشترك الى طلب " افراغ " الحساب، كان له ما اراد انطلاقا من مبدأي التضامن القائم في الحساب المشترك و " الاعتبار الشخصي " L’intuitus personae.



ولكن يبقى امام الورثة ـ اذا ارادوا منع الشريك الباقي على قيد الحياة من " افراغ " الحساب ـ ان يمارسوا حقوقهم الارثية باسم التركة au nom de la succession ، فيعمدوا الى ممارسة الملاحقات المنصوص عنها في المادة 1198 من القانون المدني الفرنسي. وهنا نكون امام احتمالين:



اما يتحدون فيما بينهم اي يتضامنون، ويقوموا بصفتهم ورثة الشريك المتوفى وباسم التركة، بسحب كامل رصيد الحساب وتاليا افراغه.


واما لا يحصل الاتحاد والتضامن فيما بينهم، فيكون للمصرف المدين ان يدفع للوريث المطالب جزءا من الحساب مساويا لحصته الارثية.


وهنا نطرح السؤال: هل المصرف ملزم في هاتين الحالتين بالتجاوب مع مطالب الورثة؟


نحن نرى ذلك بالرغم من نص المادة 1198 من القانون المدني الفرنسي الذي يعطي خيارا واسعا للمدين تجاه الدائنين المتضامنين اذ ورد حرفيا في المادة المذكورة:


« Il est au choix du débiteur de payer à l’un ou l’autre des créanciers solidaires, tant qu’il n’a pas été prévenu par les poursuites de l’un deux».


هذه هي الحالة في القانون الفرنسي ، المختلفة جذريا عن حالة القانون اللبناني، كما سنرى في الفقرة الثانية.



ثانيا: حقوق ورثة احد طرفي الحساب المشترك المتوفى في القانون اللبناني:


يبدو ان القانون اللبناني مختلف جذريا عن القانون الفرنسي بهذا الشأن . فالمادة 3 ـ خلافا لبعض الآراء الفقهية والاستشارات القانونية ـ تقطع الجدال حول هذه المسألة، ولا تترك اي مجال للتأويل او للتفسير، انطلاقا من قاعدة مركزية معتمدة في تفسير النصوص القانونية ومفادها " ان لا اجتهاد في معرض النص ". فالمادة الثالثة من القانون المذكور تقطع الطريق على الورثة بالقيام باي اجراءات بعد وفاة مورثهم الطرف في الحساب المشترك، اذ تنص صراحة انه " عند وفاة احد اصحاب الحساب المشترك يتصرف الشريك او الشركاء بكامل الحساب مطلق التصرف. وبهذه الحالة ليس على المصرف اعطاء اية معلومات لورثة الشريك المتوفى. ولا يشذ عن هذه القاعدة الا اذا تضمن عقد فتح الحساب نصا صريحا بهذا المعنى. ويجب ان تدرج احكام هذه المادة بحرفيتها في عقد فتح الحساب المشترك".



هذا يعني ان " السباق " بين احد طرفي الحساب الباقي على قيد الحياة وورثة الطرف الآخر المتوفى في الحساب، غير موجود في القانون اللبناني، اذ يعود للطرف الباقي على قيد الحياة التصرف " بكامل الحساب مطلق التصرف ". ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى ادراج بند صريح في عقد فتح الحساب، يعطي ورثة الطرف المتوفى في الحساب المشترك حق الحلول محل مورثهم كل بنسبة نصيبه الارثي.



ففي القانون الفرنسي، تلعب " العجلة " دورا هاما في الحصول على الحساب. فاذا لم يبادر الورثة الى تثبيت حقوقهم الارثية تجاه المصرف، يعمد هذا الاخير انطلاقا من قاعدتي"التضامن في الحساب " و " الاعتبار الشخصي " الى دفع كامل رصيد الحساب للطرف الاخر في الحساب الباقي على قيد الحياة. بينما اذا سارع الورثة او احدهم، الى اخطار البنك المدين بحقوقهم الارثية، باسم التركة au nom de la succession ، وانطلاقا من قاعدة التضامن المنصوص عنها في المادة 1198 من القانون المدني الفرنسي، فانه ينبغي على المصرف دفع كامل رصيد الحساب المشترك لهم، ان هم اتحدوا فيما بينهم، وتقدموا بمطلب مشترك من البنك المدين؛ اما ان لم يتحدوا او يتضامنوا فيما بينهم، فعلى البنك المدين، انطلاقا من القواعد التي تحكم التضامن بين الدائنين ان يدفع لكل وريث جزءا من الحساب المشترك مساويا لنصيبه من في تركة الطرف المتوفى في الحساب المشترك.



اما في القانون اللبناني، فان المادة الثالثة من قانون الحساب المشترك " أوصدت " كل الابواب امام الورثة، لانه يمنع على المصرف حتى اعطائهم " اية معلومات " عن الحساب.


ان حجب معلومات الحساب عن الورثة، يعني ابعادهم كليا عنه، الى درجة انه لا يعود لهم حتى ان " يسمعوا باخباره " ! الا يكفي ذلك للتأكيد بعدم وجود اي حقوق لهم في الحساب بعد وفاة مورثهم، الطرف في الحساب المشترك، وان كامل رصيد الحساب يؤول الى الطرف الآخر الباقي على قيد الحياة؟



في الخلاصة، نبدي ملاحظتين:

الملاحظة الاولى: ان القانون الفرنسي كان وسيبقى الى الابد ملهمنا. وان اساتذة القانون الفرنسي، كانوا وسيبقوا اكبر معلمي القانون في العالم. ولكن حذار من عدم استخراج الفوارق بين القانونين الفرنسي واللبناني عند وجودها، خصوصا متى يشير الفرنسيون انفسهم اليها، كما هو حاصل في النقطة المطروحة امامنا هنا.



الملاحظة الثانية: لا يجب ان يبقى القانون بالنسبة للبعض مجرد " وجهة نظر " . فهذا امر في غاية الخطورة، لان الرأي القانوني يجب ان يكون معززا، خصوصا متى تعلق الامر بنص صريح، واضح وقاطع لاي جدل، كما هو حال المادة 3 من قانون فتح الحساب المشترك في لبنان.


ان الرأي الفقهي الخاطىء، كما الاستشارات القانونية غير الصائبة، تسيء الى القانون واهله، فحذار من اطلاقها جزافا.


MISS 3