رمضان كفرشوبا بنكهة الحرب

02 : 00

بدّلت الحرب عادات رمضان في بلدة كفرشوبا، وفرّقت شمل من قرر البقاء تحت أزيز القصف والغارات، أجبرته ظروفه المعيشية على ذلك. لا تشبه كفرشوبا يومياتها السابقة، إذ نالت نصيبها من القصف والدمار. لا تزال تقطنها بعض العائلات التي لا تتجاوز أصابع اليد، وسُجّلت عودة أربع عائلات، مفضّلين تحمّل تبعات القصف، على تبعات «الطَفر» كما يقولون.

يعمّ الهدوء البلدة الفارغة من سكانها. نزح معظم أبناء البلدة نحو حاصبيا والجوار، حتى زينة رمضان والأجواء التي ترافقه اختفت. تغيّرت عاداتهم الرمضانية، إختفت سُفرة العائلة الكبيرة. حسرة تلمسها في قلوب الجنوبيين ممن ينتظرون بفارغ الصبر وقف إطلاق النار.

بصعوبة، يعيش جمال أيام رمضان، يقتصر الإفطار على حواضر البيت، فيشير إلى أنّ «الظروف لا تسمح بالبذخ أو إعداد وجبات دسمة وإن كان طبق الفتوش الحاضر الأكبر على المائدة». يحاول من تبقى من أبناء كفرشوبا تمرير شهر رمضان بالتي هي أحسن، كما يقول أحمد غانم، الذي يصف الوضع بالمأساة الكبرى، بالكاد يتمكن من بقي هنا أن يوفّر ثمن صحن الفتوش وليس كلّ يوم».

يدفع الناس ثمن الحرب، واقع يؤكده غانم الذي يرى أنّ «الأوضاع تتجه من سيئ إلى أسوأ، ويزيد المرض الطين بلّة. حينها تقع الكارثة، فلا مستوصف في البلدة، ومعاينة الطبيب أو التوجّه نحو مستشفى مرجعيون مكلفة جدّاً. والفاتورة فوق قدرة الناس».

يتدبر أبناء كفرشوبا رمضانهم من حواضر المنزل، يركّزون على وجبات الحمّص والعدس والمعكرونة، أما الدجاج واللحم فباتت من المستحيلات وفق خالد الذي يعكس واقع أبناء البلدة الصعب، عاد مع عائلته قبل أيام إلى كفرشوبا، بعدما ضاقت سبل العيش «الكل تخلّى عنّا، ونحن ندفع الفاتورة الأعلى اليوم».

معظم أبناء كفرشوبا يعتمدون في حياتهم على الزراعة، وينتظرون بيع المواسم الزراعية لتوفير الأموال لهم، لكنّ الحرب قضت عليها منذ ستة أشهر، ولم يتسنّ لأي مزارع حراثة أرضه وزرعها بأي نوع من الخضار. في العادة، كان خالد كما باقي العائلات يعتمدون على خضار الأرض من بقدونس وخس وبصل ونعناع وغيرها، ما يوفر عليهم فاتورة شهر رمضان، «اليوم ما في شي، نشتري ما تيسر من دكان الضيعة الوحيد الذي يحاول أن يوفر بعض الخضار».

يتجه علي الحاج كل ثلاثة أيام إلى منطقة البقاع لشراء الخضار لدكانه الوحيد الصامد في كفرشوبا، بصعوبة يتنقل، يغتنم لحظات الهدوء. يقول: «أحرص على توفير ما أمكن من خضار لأبناء البلدة، غير أنّ الأسعار مرتفعة جداً، وصل سعر الخسة إلى 120 ألف ليرة!». يمضي في تلبية حاجات الناس، متحدياً كل الصعاب، لافتاً إلى أنّ «الكل تخلّى عنّا فهل نتخلّى عن بعضنا البعض».

عاد إلى كفرشوبا بعدما عجز عن دفع إيجار منزل «ما نملكه لا يكفي، فضّلت فتح الدكان وتوفير بعض الضروريات لأبناء البلدة». يضيف: «حتّى الخبز يصل بصعوبة. أضطر للنزول إلى سوق الخان لملاقاة بائع الخبز الذي يخاف عبور الطريق بسبب القنص والقصف الذي تتعرّض له راشيا الفخار بين الفينة والأخرى». ومع كل الصعوبات يتمسك بكلمة «الله بيفرجها».

رغم مرور ستة أشهر على بداية الحرب، ما زالت المساعدات شحيحة نسبياً، ما أثّر على حياة الناس، فالكل خسر عمله، ومدخراته، وبات ينتظر «رحمة الله». لا تخفي نعمة الأمر، تؤكد أنها لا تتمكن من إعداد وجبة الإفطار كالمعتاد، تحاول تحضير المتوفر من «شوربا» وفتّوش وبعض الأطباق الخفيفة. تفتقد «للمّة» العائلة في شهر رمضان الذي خسر رونقه في كفرشوبا.

MISS 3