من يحمي حقوق العامل المياوم في بلديات لبنان؟ سؤال يطرحه عمال البلديات بعدما انحدرت ظروفهم المعيشية الى الحضيض. لا يتجاوز راتبهم الشهري عشرة ملايين ليرة في غالبية البلديات، فيما لحظت الحكومة موظفي البلديات في زيادة الراتب والمساعدات وبدل النقل، وغيرها من التقديمات التي حرم منها المياوم الذي يقع على عاتقه الكثير من أعمال البلدية.
في جلستها الأخيرة، قرّرت الحكومة رفع الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 18 مليون ليرة تضاف إليها تسعة ملايين ليرة بدل نقل، ما يعني أنّ الحدّ الأدنى للأجور سيصبح حوالى ثلاثمئة دولار أميركي، غير أنّ هذه الزيادة لم تلحظ عمال البلديات ومياوميها الذين يعملون «باللحم الحي» ويواجهون واقعاً معيشياً صعباً.
في كل مرّة ترفع الحكومة الأجور، تستثني هذه الشريحة من العمال الذين يشكلون العمود الفقري للبلديات، ومن دونهم يتوقف عملها، في وقت يحظى موظف في البلدية بمنحة دراسية تقدّر بـ120 مليون ليرة لكل ولد، ومنحة جامعية تقدر بـ400 مليون ليرة، وفاتورة طبابة تصل شهرياً إلى حدود ثلاثين مليون ليرة، ناهيك عن بدل النقل والبنزين والمساعدات وغيرها، فيصل راتبه إلى حوالى 80 مليون ليرة في العديد من البلديات، في حين يعجز الكثير من البلديات الأخرى عن دفع الرواتب بسبب خلو صناديقها من الأموال. لم ترفع الحكومة ايرادات البلدية، ما زالت تتقاضاها وفق الـ1500 ليرة، ما يوقعها في مزيد من العجز المالي، في وقت جمّدت فيه الموازنة كل الزيادات التي جرى لحظها لمعاملات البلدية إلى حين بتّ الطعن.
لا تحسد البلديات حالياً على واقعها المالي، فإيراداتها تذهب إلى الموظفين الثابتين فقط، أما المياوم فيواجه أزمة حقيقية. الخدمات الإنمائية معطّلة، ورواتب المياومين لا تذكر، وبين الإثنين تكمن معضلة خطرة، كيف ستصمد البلديات في خضم هذه الأزمة؟ وهل تدفع بها الحكومة الى «الإحتضار»؟
أشار رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديثه إلى «نداء الوطن» إلى الواقع المأسوي للبلديات والمياوم معاً. وقال إنّ الإتحاد العمّالي «كان أول المبادرين إلى زيادة رواتب القطاع العام، بل أكثر، عملنا على تحديد القطاع العام بحيث أدخلنا إليه البلديات وإتحادات البلديات والمستشفيات وغيرها، ولم يعد محصوراً فقط في الإدارات العامة. وعلى هذا الأساس جاءت الزيادة والحوافز وبدل النقل وشملت كل العاملين في هذا القطاع بمن فيهم المياومون وعمال البلديات». ورأى أنّ «المياوم الذي يتقاضى من المال العام يسري عليه النظام العام لأي موظف وأجير ويحق له تقاضي الحوافز والزيادات وبدل النقل التي تلحق بهم».
وأسف لأنّ «هناك من يضع حججاً وعراقيل لمنع تطبيق هذه المراسيم تهرّباً من دفع الحقوق»، ولا يخفي أيضاً أنّ «في هذا البلد كل المراسيم والقوانين تبقى حبراً على ورق ولا تسلك طريقها الى التنفيذ، وأضيف إليها احتضار البلديات التي دخلت في موت سريري، بسبب شحّ ايراداتها، ما يعوق وصول المستحقات للموظفين والعمال».
وإزاء هذا الواقع، يدعو الأسمر إلى تحرّك واسع النطاق في اتجاه وزير الداخلية والبلديات والحكومة لتأمين سلف للبلديات التي تحتضر. ولا يتردد بالإشارة إلى أنه سيكون هناك تحرك واسع النطاق بعد عيد الفطر يتعلق بواقع البلديات في لبنان»، مؤكداً أننا «أمام معضلة كبيرة في ملف البلديات التي تحتاج إلى حلّ سريع، فهي دولة مصغّرة تقوم بكل واجبات الدولة، ولكنّها لا تحظى بدعمها، ما جعلها تسلك طريق الموت إلا إذا جرى تحويل الأموال والسلف اليها».
قد يكون عجز البلديات عن دفع مستحقّات العمال والموظفين أحد الدوافع التي دفعت بعمال وموظفي بلدية النبطية للدخول في إضراب تحذيري لمدة أسبوع، للمطالبة بأبسط حقوقهم، ومساواتهم بموظفي القطاع العام، إضافة إلى تحويل أموال البلديات لتتمكن من دفع الرواتب، وإقرار طابع مالي للبلدية وتعديل قانون البلديات.
يقدّر عدد عمّال وموظفي البلديات في لبنان بحوالى 30 ألفاً، قد تكون بلديات بعلبك أولى البلديات التي تعتمد نظام شراء الخدمة عبر إلحاق العمال فيها بمتعهّد خدمات لتحسين رواتب العمال، فيما أعلن موظفو بلدية النبطية وعمّالها الإضراب، ويعملون على تشكيل لوبي ضاغط لتحصيل حقوقهم، وفق ما يقول رئيس نقابة عمال ومستخدمي بلدية النبطية مازن نحلة، مؤكداً أنّ أحد أبرز مطالبهم اليوم «مساواتنا مع القطاع العام»، كاشفاً «أننا في صدد التحضير لتحرّكات تصعيدية بعد عيد الفطر ما لم تلقَ مطالبنا تجاوباً، وقد نُدخل ملف رفع النفايات الذي أُبعد عن الإضراب، في الإضراب المطلبي والمحق، ونجول على نواب المنطقة لرفع مطالبنا، حيث تم تقديم وعود برفعها إلى مجلس النواب لاقرار قوانين تتعلق بها، ولكننا نعلم أن مسار القوانين يأخذ وقتاً طويلاً». ومن جملة المطالب التي رفعوها، وفق نحلة، «تعديل رسوم البلديات لرفد الخزينة بالأموال اللازمة، لتضمن دفع رواتبنا وتقديم خدمات للناس، إقرار طابع بلدي ودفع مستحقات البلديات، ومن دون ذلك فإنه من الصعب تحصيل حقوقنا أو الحفاظ على عمل البلديات».
يبدو أن أزمة جديدة تلوح في الأفق تتمثّل بأزمة البلديات، أزمة وعد الأسمر بطرحها بعد عيد الفطر كي لا تموت البلديات في لبنان.