لوسي بارسخيان

مقاضاة "نداء الوطن" في كشف وقائع تلزيم "المحفظة الإلكترونية": كمّ للأفواه؟

6 نيسان 2024

02 : 00

من الحملة التي باشرتها «سيول» وأوقفتها لتقديم الخدمة عبر «ألفا»
في جلسة للجنة الإعلام والإتصالات إنعقدت في 15 تشرين الثاني من العام الماضي، عرّج أعضاء اللجنة في نقاشاتهم مع وزير الإتصالات جوني القرم الى موضوع خدمة المحفظة الإلكترونية، التي طرح النقاش فيها للمرة الأولى على المستوى النيابي، بعد كشف عن محاولة لترسية شركة «ألفا» عقدها بالتراضي على شركة «سيول». كانت تلك الشركة قد تأسست حديثاً في لبنان وعُرف عنها تقديمها خدمة مشابهة في قبرص. وعليه كثرت إستفسارات النواب حول كيفية إختيارها لعقد رضائي مع «ألفا»، وعن قانونية هذا الإجراء في ظل توجه آخر سلكته شركة «تاتش».

ما لفت حينها، حديث منقول عن القرم يقول فيه إنّه حصل على إستشارة تفيد بأن تلزيم هذه الخدمة عبر شركتيّ الخلوي لا يخضع لقانون الشراء العام. وحين سأله أحد النواب عن الجهة التي قدّمت له الإستشارة، أجاب بأنها شركة «سيول» نفسها، أي الشركة التي ترغب بالتعاقد مع «ألفا». حتى لو كان رأيها حينها يشكل قطعاً للطريق أمام أي عرض منافس يمكن أن يقدم عبر طرح التلزيم في مزايدة عامة.

بدت هذه الإجابة صادمة لنواب حضروا إجتماع اللجنة. إذ كيف يعقل لوزير أن يأخذ برأي شركة ترغب بعقد لتقديم خدمة المحفظة الإلكترونية مع شركة خاضعة لوصاية رسمية، ويعتبره رأياً موضوعياً خالياً من أي منفعة شخصية، في وقت بيّنت نقاشات الجلسة نفسها أنّ ممثلي شركة «ألفا» طرحوا هذا الملف على هيئة الشراء العام، فأكد رئيسها جان العلية خضوع تلزيم هذه الخدمة لقانون الشراء، وبالتالي أوصى بوقف أي إجراء تمّت المباشرة به سابقاً.

كانت هذه الوقائع التي ذكرتها «نداء الوطن» في معرض متابعتها لأعمال اللجان النيابية، ولم تنفها أي جهة مسؤولة حينها، حافزاً للمضي بتقصيات إضافية حول هذه الخدمة الجديدة التي تتحضر لدخول السوق اللبناني، خصوصاً أن «سيول» كانت قد باشرت بحملة دعائية على الطرقات (قامت بسحبها لاحقاً) تظهر تقديم خدمة المحفظة الإلكترونية المستحدثة بشركة «ألفا»، وذلك حتى قبل أن توقع عقدها مع «ألفا». وهو ما عكس قناعةً تفيد بأن العقد بات فعلاً في الجيب.

بتاريخ 27 تشرين الثاني من العام 2023 صدر تقرير أول لـ»نداء الوطن» حول خدمة المحفظة الإلكترونية التي يتحضر لبنان لإطلاقها، تحت عنوان «خدمة الـE-WALLET على طريق الاستثمار التنفيعي... من مداخيل شركتَيّ الخلوي»، حيث تم التطرق مرة جديدة الى الرأي الإستشاري الذي قدمته «سيول» عن عدم خضوع خدمتها لقانون الشراء العام، وأيضاً من دون أن ينفها أي طرف مسؤول. في وقت أبرز التقرير مضمون توصية صادرة عن هيئة الشراء العام التي يفترض أنها المرجع الرسمي الذي يحدد ما إذا كان تلزيم الخدمة خاضعاً لقانون الشراء العام أو لا، وقد أكدت هذه التوصية، بأن موضوع الـمحفظة الإلكترونية على النحو المطروح خاضع لقانون الشراء العام.

كيفية إدارة الخدمة

خلال شهر من دراسة الملف، كوّنت هيئة الشراء العام تصوراً حول كيفية إدارة الخدمة، فأصدرت توصية توجهت بها الى كل من وزارة الإتصالات وشركتي الخلوي «ألفا» و»تاتش» بتاريخ 13 تشرين الثاني، أي قبل يومين من مناقشة جلسة اللجنة النيابية مساعي الوزارة للمضي بعقد تراض مع «سيول». فأوصت الهيئة بأن تتولى «تاتش» و»ألفا» تنفيذ الخدمة بنفسيهما. وقد اعتبرت الهيئة أنّ ذلك يرفد الخزينة بأموال إضافية، ويحمي المعلومات المتعلقة بالمشتركين، بخلاف تسليم الخدمة لشركات تقوم بتقديمها لمشتركي الشركتين إنطلاقاً من بياناتهم.

ما لم يحسب حسابه في المقابل، هو أن تتحول هذه الوقائع التي ذكرتها «نداء الوطن» وتوسعت بها في تقريرها المذكور، نقلاً عن توصية لهيئة الشراء العام، ومداولات جرت في لجنة الإتصالات، وآراء خبراء في القطاع، مع عرض للرأي المقابل الذي عبّر عنه وزير الإتصالات جوني القرم، مادة لمقاضاتها أمام محكمة المطبوعات. من قبل من؟ ليس من وزارة الإتصالات الذي يتناول التقرير أداءها في إدارة الملف، ولا حتى من شركتي «ألفا» و»تاتش» المعنيتين بالتوصية وعرض مضمونها على الرأي العام، وإنما من شركة «سيول» التي بعد تقديمها إستشارة بأن عقدها لا يخضع لقانون الشراء العام، إعتبرت المهمة الصحافية التي أخذتها «نداء الوطن» على عاتقها بكشف «تقليعة» وزارة الإتصالات المثيرة للجدل في تقديم خدمة المحفظة الإلكترونية، إساءة شخصية لها.

فرأت في ما نشرته «نداء الوطن» نقلاً عن نقاشات دارت، ومباحثات جرت، وكتب جرى تبادلها، وتوصيات صدرت، «إشاعات وأضاليل تسيء الى سمعتها»، علماً أن التقرير لم يقارب الشركة أو يتطرق الى سمعتها المالية «الطيبة»، وذكرها جاء حصراً بمعرض إصرار وزارة الإتصالات وشركة «ألفا» على تلزيمها الخدمة بالتراضي، ونعم خلافاً لرأي هيئة الشراء العام. فيما عابت الشكوى على «نداء الوطن» إطلاعها على مضمون بعض الكتب والتوصيات، مفضلة ربما أن تبقى مساعي الوزارة الجارية لتلزيمها الخدمة في الظل.

لا يأتي التطرق الى هذه التفاصيل في المقابل بمعرض ردة الفعل على الدعوى القضائية المرفوعة من قبل «سيول» على «نداء الوطن»، رئيس تحريرها، وكاتبة التقرير، لأنّ المواجهة الفعلية هي أمام القضاء المختص والثقة بعدالته... إنما للتأكيد بأن «نداء الوطن» لا تخضع لسياسة كم الأفواه. وهي ماضية في إطلاع الرأي العام على كل ما لديها من تفاصيل سابقة ولاحقة حول كل ملف يتعلق بالشأن العام. وإذا كانت الشركة هي فعلاً «حريصة على المصلحة العامة» فذلك لا يفترض أن يضعها بمواجهة مع من يشاركونها الهدف.

ما كتب في التقرير الصحفي الذي حوّل على القضاء من قبل شركة «سيول» في المقابل كان مبنياً على المعطيات التي توفرت حينها. وقد سلكت الأمور مساراً آخر بعد الجدل الذي أثاره موضوع التلزيم الرضائي لخدمة المحفظة الإلكترونية، وعدم نجاح المساعي المبذولة في تحقيق خرق بالسقوف القانونية التي حددها قانون الشراء العام، وخصوصاً بالنسبة للمشاريع «التي تنطوي على خدمة لقاء مبلغ يحتسب بنسبة مئوية يدفع للجهة الشارية».

وعليه كانت «نداء الوطن» أوّل من نقل عن وزير الإتصالات جوني القرم في تصريح أدلى به إثر جلسة للجنة الإتصالات إنعقدت في 21 كانون الأول من العام الماضي، أنه «أوقف مناقشة هذا المشروع حالياً، ولن يكون هناك تعاقد مع أي شركة». مع أن هذا الأمر أثار حفيظة بعض النواب الذين تساءلوا «ما إذا كان الهدف تلزيم خدمة عامة لشركة خاصة، أم أن الوزارة ساعية لتأمين خدمة أساسية ومطلوبة من المواطنين»؟

أسئلة نيابية

هذه الشكوك حمّلت في سؤال وجهته الى الحكومة ووزير الإتصالات النائبة بولا يعقوبيان، ووقع عليه أيضاً النواب ابراهيم منيمنة، ياسين ياسين، ونجاة صليبا. وبدا هؤلاء كنواة جبهة داعمة لتوصية هيئة الشراء العام الثابتة بأن تدير شركتا الخلوي الخدمة بنفسيهما. وهو ما شدد عليه سؤال النواب.

بالمقابل كشف رد الوزير القرم على السؤال بعد نحو شهرين من توجيهه، بأن «التعاقد مع «سيول» لم يتم» وأن خيار الوزارة وقع على إطلاق مزايدة لتلزيم خدمة المحفظة الإلكترونية من خلال هيئة الشراء العام لشركة عالمية لديها أذرع مالية، معللاً رفض تقديم الخدمة من دون أي وسيط، «بأن شركتيّ الخلوي في لبنان هما شركتان محليتان تخدمان عدداً محدوداً من المستخدمين، ولا تمتلكان امتدادات عالمية». كما رأى أن هناك «حاجة للإستفادة من الاذرع المالية التي تملكها الشركات العالمية، والمرونة والإبتكار التي تتصف بها»، معرباً عن هواجسه من خسائر قد تلحق بالشركتين في حال قدمتا الخدمة مباشرة.

بصرف النظر عن هذا التوجه لدى الوزارة الذي يتوقع أن يترافق مع جدل مستمر حول إمكانيات الشركتين بتقديم الخدمة مباشرة، لعله من نتائجه الإيجابية، أنه عكس إقتناع الوزارة أخيراً بأن الشركات الراغبة بإلتزامات مع الدولة ليست المرجعية الصالحة لإستشارتها في ما إذا كانت عقودها خاضعة لقانون الشراء العام أم لا.

MISS 3