قرار زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 18 مليون ليرة "هرطقة"

كركي يشن هجوماً شرساً على الهيئات الاقتصادية

02 : 00

محمد كركي
  • من راتبه 18 مليون ليرة وما فوق لا يحصل على أي زيادة، لأننا في «إقتصاد حرّ» برأي الهيئات... فكيف قبلت وزارة العمل بذلك؟
  • القرار يزيد إيرادات «الضمان» ألف مليار ليرة فيما الحاجة هي إلى 30 ألف مليار لتعود التقديمات الاجتماعية إلى سابق عهدها.
  • تواطأت الدولة مع «الهيئات» ولم يتم التطرّق في لجنة المؤشر نهائياً إلى السقف الخاضع للإشتراكات في فرع المرض والأمومة.
  • إذا لم يتحرك العمال والموظفون فلن تأخذ السلطة بآرائهم ولا الهيئات الإقتصادية التي كل همها الإستمرارية وتكديس الأرباح.


أقرّ مجلس الوزراء زيادة الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 18 مليون ليرة، إلّا أنّ هذا القرار يبقى في ميزان الضمان الإجتماعي مُجرّد «هرطقة» لأنه لن يُدخل إلى الضمان سوى ما يُقارب الـ 1000 مليار، فيما الحاجة الفعلية لتعود تقديماته كالسابق هي بحدود الـ 30 ألف مليار، والسبب أن زيادة الحدّ الأدنى لم تترافق مع زيادة الأجور لمن يتخطّى راتبهُ الـ 18 مليون ليرة.

وللإطّلاع على إنعكاسات القرار على تقديمات الضمان يشرح المدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي د. محمد كركي بالتفاصيل والأرقام هذه الإنعكاسات، حيثُ يؤكّد خلال حديثٍ مع صحيفة «نداء الوطن»، أنّ «هذا القرار يختلف عن كل القرارات السابقة وخارج السياق وعقّد الأمور أكثر بدل إصلاحها»، مشيراً إلى «عقد إجتماعيْن للجنة المؤشّر، وفي الإجتماع الأخير تم إقرار زيادة الحد الأدنى إلى 18 مليوناً، ولكن قبله كان هناك موضوع زيادة بدل النقل. خلال إجتماع لجنة المؤشر الذي تم فيه التباحث في زيادة بدل النقل، رفضت الهيئات الإقتصادية التحدث بزيادة الحد الأدنى للأجور بشكل قاطع، وبالتالي هددوا بالإنسحاب من الجلسة».

ويضيف: «لكن بعد أن انتهت الجلسة إتفقوا على زيادة بدل النقل الذي أصبح أعلى من الحد الأدنى للأجور وهذه هرطقة كبيرة، لأن هناك أشخاصاً يعملون أكثر من عشرين يوماً وبالتالي عندما اصبح الحد الأدنى 9 ملايين، أصبحوا يتقاضون بين 10 و11 مليوناً بدل نقل»، لافتاً الى ان موضوع زيادة الحد الأدنى للأجور لم يتم طرحه، إلا بعد التعميم الذي أصدرته إدارة الضمان، والذي ينصّ على أن كل من يُصرح للضمان بأقل من 18 مليوناً سنحيله إلى التفتيش، ما أثار إمتعاض الجميع. الجميع كان مستسلماً لإرادة الهيئات الإقتصادية ولم يشأ أحد فتح هذا الباب عليه».

لا تراتبية؟!

ويشدد كركي على أن «إدارة الضمان لا تحدد الحدّ الأدنى للأجور، لكننا أصدرنا هذا التعميم لأننا متأكدون أن لا أحد في لبنان يعمل بأقل من 200 دولار. حاولوا الإلتفاف على التعميم، وأعلنوا أنهم سيرفعون فقط الحد الأدنى إلى 18 مليوناً ورفضوا التحدث عن زيادة الرواتب، وهذا واضح في كل التصريحات التي نسمعها من ممثلي الهيئات الإقتصادية، الذين يعتبرون أن الدولة حددت الحد الأدنى فقط، أي كل من يتقاضى ما دون الـ9 ملايين يصبح راتبه 18 مليوناً ومن كان راتبه 16 مليوناً يصبح 18، لكن من راتبه 18 مليوناً وما فوق لا يحصل على أي زيادة، لأننا إقتصاد حرّ. وهذا بالنسبة لنا هرطقة، لأنه في النهاية لا يجوز أن يكون موظف في شركة يتقاضى 11 مليوناً وآخر 17 مليوناً، يصبح راتب كل منهما 18 مليوناً، أين التراتبية؟ لا يجوز أن تُرفَع رواتب الموظفين الأدنى مرتبة ولا تُزاد لمن هم في مراتب أعلى. حتى أنهم رفضوا أن تُذكَر في المحضر، واعتبروا أن الزيادة يتم الإتفاق عليها بين أصحاب العمل والعمال، وهذا دليل على محاولتهم الالتفاف على القرار».

تجاهل «فرع المرض والأمومة»

ويتابع: «حتى أنهم لم يتطرّقوا في لجنة المؤشر نهائياً إلى السقف الخاضع للإشتراكات في فرع المرض والأمومة، وهو سبق وتحدد بمرسوم وانهي فيه مجلس إدارة الضمان وهو خمس أضعاف الحد الأدنى للأجور. أي على ضوء هذا المرسوم الجديد كان يجب أن يصبح 45 مليوناً، ويصبح الحد الأقصى في فرع المرض والأمومة الذي على أساسه نتقاضى الإشتراكات 90 مليون ليرة. حتى هذا الموضوع لن يبصر النور لأنه يحتاج إلى إنهاء في إدارة الضمان. إلا أن الإدارة لن ترفع هذا الإقتراح لأن لدينا مكسباً سبق وحققناه وأن السقف أصبح خمسة أضعاف مرتبط بالحد الأدنى للأجور، ولن نتذاكى على المواطنين ونقول لهم بأن خمسة أضعاف الحد الأدنى كان 45 مليوناً، وسنرفعه إلى 50 مليوناً. وبالتالي ما حصل عملياً لا يحقق أي شيء بل يضرب كل الإنجازات التي سبق وحققناها في إطار هذا الجدال الطويل مع الهيئات الاقتصادية. ونعود ونذكر أننا كضمان اجتماعي ليس لنا علاقة بهذا الموضوع كلياً. في النهاية نحن أداة لنساعد، لكن للأسف صدر كلام في غير محله وحوّر الحقائق. ولذلك بات علينا لزاماً أن نوضح للمواطنين ما يحصل. في النهاية هناك لجنة مؤشر وأصحاب عمل وعمال، ووزير العمل يرعى كل هذه الإجتماعات ويستدعي من يراه مناسباً ليساعد في أخذ هذه القرارات المناسبة ويطرح كل ما توصلوا إليه على مجلس الوزراء الذي يقرر. لكن ما صدر لا يلبي طموحات الطبقة العاملة في لبنان، أولاً لأنه غيّر بمرسوم الحدّ الأقصى للكسر الخاضع للإشتراكات خلافاً للقانون. مجلس إدارة الضمان لن يقبل ان يصبح الحد الاقصى للكسر الخاضع للإشتراكات أقل من 90 مليوناً وأن يبقى مرتبطاً بالحد الأدنى للأجور».





صعوبة التطبيق

وأضاف: الضمان يحتاج الى نحو 30 ألف مليار كي يعيد تقديماته كما كانت سابقاً. هناك حملة من التكاذب والتآمر على مؤسسة الضمان الاجتماعي. وهنا أود أن أتطرق إلى ما تقوم به الهيئات الإقتصادية التي أصدرت بياناً مشبوهاً قبل جلسة مجلس الوزراء، أشارت فيه إلى أن الضمان لا يتمكن من تأمين ضمان صحي، وبالتالي هم مضطرون للذهاب إلى شركات التأمين. ولكن المشكلة أن الهيئات الاقتصادية إعترفت امام الملء انهم لا يصرحون إلا بين 5 و10 في المئة من الأجور الحقيقية للضمان، وبالتالي هم من يهربون ويتلاعبون ولا يحترمون القوانين. من لا يصرح إلّا 5 و10 في المئة من الأجور للضمان الاجتماعي لا يمكنه أن يطالب الضمان أن تعود تقديماته كالسابق. عندما تصرّح لي وتعطي الضمان التمويل اللازم وتدفع عن الأجور الحقيقية، يصبح هناك تمويل في الضمان ويعود كما كان. أي انه يعطي الموظف راتب ألف دولار ويصرح للضمان بالحد الأدنى فقط اي 9 ملايين. وبالتالي المطلوب من العمال أن يتحركوا ويتظاهروا ويقلبوا الطاولة وأن يكون لهم دور في البلد، وإلا ستبقى الهيئات الاقتصادية تتحكم بهم. المطلوب من المؤسسات أن تصرح عن كل الأجور للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعندها يستطيع الضمان أن يعود بالتقديمات الى ما كانت عليه سابقاً. قد أتفهم أن تقول الهيئات الاقتصادية بأنها غير قادرة لأسباب معينة والمطلوب من الدولة ان تساعد. لكن للأسف هم لا يريدون أن يساعدوا والدولة غائبة. فليحلوا المشكلة بين بعضهم البعض دون التحدث عن الضمان. الدولة كما ساعدت وزارة الصحة وتعاونية الموظفين وأوجدت حلّاً للأساتذة المتقاعدين في القطاع الخاص، فلتتحمل مسؤوليتها. وقد أرسلنا كتباً إلى وزيري العمل والمالية نطالب فيه بحوالى 30 ألف مليار كي يعود الضمان إلى ما كان عليه».

تحايل وتلاعب

ويشير كركي إلى أنه «حتى مع هذه الزيادة سيجد أصحاب العمل طريقة للتحايل والتلاعب. وقد بدأت تردنا بعض المراجعات في هذا الخصوص، وهذا يدل إلى أي مدى ستصل الأمور من التآمر على الطبقة العاملة في لبنان. لكن لن تتغير الأمور ما لم يتحرك المواطن، لأن الدولة لن تحرك ساكناً وأصحاب العمل لا يهمهم، لأنهم يعترفون بأنهم يتعاملون مع شركات التأمين الخاصة. يقولون أنهم يدفعون عن كل أجير 500 دولار في حين أن الضمان يطالبهم بدفع 300 دولار، ليس فقط عن الاجير، بل أيضاً زوجته وأولاده وووالده ووالدته الذين يستفيدون من الضمان معه، ولكنهم غير مستعدين للدفع. وبالتالي هذه المشكلة على الدولة والهيئات الإقتصادية أن تحلها، فليفتشوا عن حلول ويتقاسموا المسؤولية ويجدوا تمويلاً للضمان. ليتقاسموا الأعباء أو الدولة تتحمل أو الهيئات الإقتصادية تصرح عن الأجور الحقيقية كي يعود الضمان إلى ما كان عليه. وخارج هذا الموضوع حكي لا يغني ولا يسمن».

لبّ المشكلة

ويختم كركي حديثه مؤكداً أنّ «لب المشكلة في الصراع بين الهيئات الإقتصادية والإتحاد العمالي العام، والدولة يفترض بها ان تكون الحَكَم وتقف لجهة العامل وتصحح الامور، لكن للاسف ما رأيناه في القرارات التي صدرت لا يظهر أي إتجاه لمعالجة قضايا الضمان، لأن هذا المرسوم الذي يحدّد الحد الأدنى للأجور بـ18 مليوناً، في حال صدوره، لن يقدم للضمان إلا بحدود الألف مليار ولن يغير في المعادلة، والأموال المطلوبة أكثر بكثير، وبالتالي على الدولة تحمل المسؤوليات».


الخاسر الأكبر: 600 ألف مضمون

يرى محمد كركي أن «القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء لا يغير أي شيء في المعادلة، ولا يدخل أي مردود للضمان ما لم يكن هناك زيادة غلاء أجور، ولن يؤمن أكثر من ألف مليار للضمان في حين أن الضمان يحتاج إلى نحو 30 ألف مليار. هل يعقل أن موظفاً يتقاضى 15 ألف دولار ويصرح للضمان بـ20 مليون ليرة؟»، مشدداً على أن «ما سيحصل هو أن أصحاب العمل سيصرحون عن الحد الأدنى ولكن هذه النسبة ستكون قليلة جداً لأن البعض رواتبهم 15 و17 مليوناً وتقديراتنا ان هذا التدبير سيدخل الى صندوق الضمان نحو ألف مليار، لن يغير ذلك بمعادلات الضمان لا بل بالعكس يضرب بعض أسس الضمان وهو الحد الاقصى للكسب الخاضع للإشتراكات الذي كنا نؤمن أننا حولناه الى خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور. في ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، في حال صدر فقط بـ 18 مليوناً بالطبع كإدارة نلتزم بقرارات مجلس الوزراء، لكن نكرر أن الضمان يحتاج إلى 30 ألف مليار، وإذا كانت الدولة غير قادرة فلتصدر مراسيم وتلزمهم بزيادة الأجور بحد أدنى يتلاءم مع الوضع في لبنان، وتجد طريقة مع الهيئات الإقتصادية للتصريح عن الأجور الحقيقية للأجراء، لكن إذا بقيت الأمور على ما هي سيكون نحو 600 ألف مضمون مع عائلاتهم الخاسر الأكبر. إذا لم يتحركوا ويتظاهروا وكانت لهم مواقف حاسمة وحازمة لن تتغير المعادلات ولن تأخذ السلطة السياسية بآرائهم ولا الهيئات الإقتصادية التي كل همها الإستمرارية وتكديس الأرباح».

MISS 3