رواد مسلم

واشنطن تُوازن بين علاقاتها مع إسرائيل ومصالحها في المنطقة

10 نيسان 2024

02 : 00

جنود إسرائيليّون خلال عملية عسكرية في قطاع غزة (أ ف ب)

بعد ستة أشهر من الإنتقام الإسرائيلي المتواصل في غزة على ما فعلته حركة «حماس» في عملية «طوفان الأقصى» التي كان هدفها إيقاظ الوحش لإختبار مدى وحشيّته من دون تأمين أي حماية للمدنيين العزّل، حقّق الجيش الإسرائيلي دماراً هائلاً في البنى التحتية لقطاع غزة، وحصدت ضرباته أرواح ما يزيد عن 33 ألف شخص، بالإضافة إلى ذلك، تمّت تصفية العديد من قادة «حماس»، وتوسّعت رقعة المواجهة إلى دول الإقليم، وغيرها من الانعكاسات السلبية على العالم كلّه.

مع ذلك، لا تزال «حماس» والجماعات المسلّحة الأخرى تُشكّل تهديداً بالنسبة إلى إسرائيل، وتُسيطر على مدينة رفح جنوب القطاع، بالإضافة إلى مناطق في وسط القطاع، فضلاً عن إدارتها للأنفاق حيث يتواجد القادة الميدانيون، في وقت يسحب فيه الجيش الإسرائيلي عظيم قوّته من القطاع، آخرها الفرقة 98 من القطاع الساحلي الذي يضمّ لواء الكوماندوز الإسرائيلي والذي كان يُقاتل المسلّحين في أحياء مختلفة من خان يونس، بعد يوم من بدء سحب اللواء المدرّع السابع العامل في خان يونس، ما يُبيّن صعوبة تحقيق الهدف من الحرب بالقضاء التام على «حماس».

بقي لواء ناحال الوحدة الوحيدة العاملة في القطاع والتي تفصله إلى جزأين. ويدير اللواء عمليات العبور من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، فضلاً عن القوات الجوية التي لا تُفارق سماء غزة للمراقبة والاستطلاع وتنفيذ الضربات. وهذا يُمكن أن يُشير إلى الاستسلام الإسرائيلي لضغوط البيت الأبيض لإنهاء حملة تدمير القطاع.

ما يقوم به الجيش الإسرائيلي يُمكن أن يكون إعادة ضبط استراتيجي أو إعادة تنظيم تحت الإكراه الأميركي أو إعادة ترتيب تكتيكي قبل عملية برّية قوية وسريعة لتدمير كتائب «حماس» الأربع المتبقية في رفح، أو حتّى إعادة تموضع القوى في المناطق الشمالية لفتح حرب شاملة مع لبنان.

لا تستطيع إسرائيل في هذه المرحلة بالذات تحمّل خسارة الدعم العسكري الأميركي، خصوصاً بعد ضرب القنصلية الإيرانية في سوريا وتوعّد الإيرانيين بالردّ، فضلاً عن بقاء قادة «حماس» على قيد الحياة، ما يُمكن أن يؤدّي في المستقبل إلى «طوفان أقصى» ثانٍ، وتعدّد الجبهات ضدّ إسرائيل. وبالتالي، الحزم الأميركي بخصوص الهجوم على رفح وانعكاساته الإنسانية، لن يتحمّله الإسرائيليون بعد قطع الامدادات العسكرية.

تخلّت واشنطن أواخر الشهر الماضي عن دورها التقليدي في حماية إسرائيل في مجلس الأمن، وذلك من خلال امتناعها عن التصويت على قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار بدلاً من استخدام «الفيتو»، بعد فترة طويلة من استخدام الولايات المتحدة لحق النقض لمنع صدور قرارات ينظر إليها على أنها تنتقد إسرائيل.

ساهمت المساعدات العسكرية الأميركية في تحويل الجيش الإسرائيلي إلى واحد من أكثر الجيوش تطوّراً من الناحية التكنولوجية في العالم، وساعدته على بناء صناعته الدفاعية المحلّية التي جعلت إسرائيل تُصنّف كواحدة من أكبر مصدّري الأسلحة عالميّاً. وتوفّر مذكرة التفاهم التي وقّعت بين واشنطن وتل أبيب عام 2016، مساعدات عسكرية بإجمالي 38 مليار دولار حتى عام 2028، تشمل 33 مليار دولار في شكل مِنح لشراء معدّات عسكرية، و5 مليارات دولار لأنظمة الدفاع الصاروخي.

ستكون الولايات المتحدة الضامن لوجود إسرائيل، فبالرغم من تشنّج العلاقات بينهما في الفترة الأخيرة، يبدو أنّ الدعم ما زال مستمرّاً. لقد تسلّمت إسرائيل منذ اندلاع الحرب أكثر من 11 ألف طنّ من المركبات المدرّعة، والأسلحة، والقنابل الموجّهة، والذخائر المدفعية، ونوعية الأسلحة تبيّن أن الخطر في المنطقة جدّي.

المساهمات الأميركية استخدمتها إسرائيل لتطوير قدراتها البحرية، حيث أعلنت نشر منظومة «سي دوم» للدفاع الجوي، وهي النسخة البحرية من منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي التي تُستخدم للحماية من الهجمات بالقذائف والصواريخ، كالصواريخ الحوثية البعيدة المدى التي تطال إيلات جنوب غرب إسرائيل.

إنّ معضلة الدعم الأميركي لإسرائيل تتطلّب توازناً دقيقاً بين العلاقات الاستراتيجية والمصالح السياسية والاقتصادية، بحيث تتأثّر سياسات الدعم الأميركي لإسرائيل بتقييم واشنطن لمصالحها الأمنية الوطنية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا قد يعني بعض التوازن بين دعم إسرائيل والحفاظ على العلاقة الجيّدة مع الدول العربية والإسلامية. وفي الوقت ذاته وضع حدّ لتصرّفات إيران العدوانية، وهذا ما يُجبر إسرائيل على تلبية نداء حليفتها بعدم مهاجمة رفح لإستمرار تدفّق الدعم العسكري.

MISS 3