بشارة شربل

نيسان... و"الإستثمار" في الإغتيال

15 نيسان 2024

02 : 00

قبل التطرق الى كيفية «استثمار» جريمة 8 نيسان المروِّعة، لا بدَّ من وقفة عند مقارنات متسرعة أملاها تزامنها مع الموعد المشؤوم المضروب سنوياً للرسملة السياسية والإعلامية على 13 نيسان أو للتباري بقدح وذم هذا التاريخ.

يدفع التذكر الدوري الصاخب لحادثة 13 نيسان الى مرارة وانزعاج. ليس لأنّ أحداً ينكر أنها دشَّنت رسمياً «حرب السنتين»، ثم كل حروب لبنان، ولا لأنه يرفض الاعتبار بتداعيات استهلكت جلّ عمر كثيرين، بل ربما لحلم باحتفال ختامي مهيب العام المقبل في يوبيل البوسطة الذهبي. وهي ذهبت مثلاً كلما حدث اغتيال أو تفجير، وأسالت الأقلام والإسقاطات على مدى نصف قرن من حياة «لبنان الكبير».

اغتيال باسكال سليمان لا يشبه 13 نيسان 1975. يومها كانت نُذر الانفجار أقوى من مساعي احتواء التناقضات. بوسطة عين الرمانة لم تهبط من السماء، بل لاقت السكاكين المسنونة، وشكّلت تتمة لسلسلة مقدّمات جعلت الحرب الأهلية - الإقليمية قدراً تراجيدياً كتبه المتآمرون والجغرافيا على جبين لبنان.

لا علاقة لظروف اليوم بتلك اللحظة المأسوية قبل 49 عاماً. أكثرية اللبنانيين مقتنعة بوجوب الحفاظ على السلم الأهلي وبأن ثمنه كان باهظاً. طرف واحد يحمل حالياً السلاح، ويحذِّر تكراراً من «حرب أهلية» كلما طُولب بالانصياع للقانون والدستور أو ترْك القضاء يأخذ مجراه، هو «حزب الله». ولحسن الحظ أن لا حزب آخر يرغب في رفقته الى «تانغو» يحتاج الى طرفين، أو الى حلبة هنود حمر ترقص فيها كل طوائف لبنان. وحدهم «جيوش الحمقى» على وسائل التواصل الاجتماعي يُشعلونها مُضَريةً، وهم»كالزبد يذهب جفاء»، إذ رغم ويلات أصابت لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحديداً، لا يزال سلام «اتفاق الطائف» صامداً «يمكث في الأرض»، ولا يزال الخروج عليه مقتصراً على «الشيعية السياسية»، وعنوانها الهيمنة بدل الشراكة، والسلاح في خدمة محور بدل الانضواء في كنف الدولة.

ليس سذاجة الاقتناعُ بأنّ جرّ اللبنانيين الى مشكل داخلي صعب المنال. فالمأزق الذي يعانيه «حزب الله» منذ أطلق «حرب المُشاغلة» يعمِّقه أي صراع داخلي لا مصلحة له فيه، لأنه سيتّخذ وجهاً طائفياً، وسيتناسل مذهبياً. ولذلك لا يزال متاحاً تفادي الانزلاق الى تدمير ذاتي، وهي مهمة ملقاة على الذين يمسكون بالقرارين السياسي والأمني.

لا بدّ من جلاء ظروف الاغتيال الأخير. التشكيك برواية السرقة يظهر ضعف الحبكة بقدر ما يؤكد تهتك سمعة الأجهزة الأمنية منذ زمن «النظام الأمني المشترك» وحاجتها الى بناء الثقة مع كل المواطنين. لكن ذلك لا يحول دون «استثمار» ايجابي للجريمة لتكون دماء الضحية فداء للدولة ولكل لبنان. وهو يتلخص في نقاط ممكنة التحقيق، تحت القانون ولو استثارت «حزب الله»:

1 - أن يتسلم التحقيق قاض نزيه ليثبت رواية الأجهزة أو ينقضها، فيكشف المحرّضين بعدما اعتُقل المجرمون.

2 - أن يخلع وزير الداخلية ثوب الواعظين ويتوقف عن سلوك رجل ورع يصلح خطيب جمعة يؤمّ المصلّين، فينفّذ ما تعهّد به في شأن ضبط اللجوء السوري.

3 - أن ينسى قائد الجيش اعتباراته السياسية، فيطالب رئيس وزراء كل الفصول نجيب ميقاتي بمرسوم يعلن معابر التهريب الأساسية للسوريين والممنوعات مناطق عسكرية، بالتوازي مع واجب تطبيقه القانون بمصادرة أي سلاح غير شرعي في المناطق ذات الأكثرية المسيحية المعارضة لسلاح «حزب الله» تدريجاً، وبدءاً من قضاء جبيل الذي اكتوى بجريمة باسكال سليمان واكتفى من إثارة الحساسيات.

4 - أن يتوقف الرئيس نبيه بري عن معزوفة الحوار المشروخة، فيدعو الى انتخاب رئيس توافقي، وفقاً لمقتضيات النظام الديموقراطي وليس استناداً الى اجتهادات لا يقرُّها فقيه ولا طالب حقوق في إحدى الجامعات الدكاكين.

لائحة الاستثمار لمصلحة كل لبنان طويلة، هي تحت سقف القانون والواقع السياسي، لكنها تستلزم قرارات تُقلع عن المداهنات وألاعيب تقطيع الوقت وتعيد الحياة الى المؤسسات، وتحتاج أولاً وأخيراً الى مَن يبرّون بما أقسموا عليه أمام الله والناس.

MISS 3