دانيال بايمان وكينيث بولاك

كيف ستردّ إسرائيل على الهجوم الإيراني؟

16 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

إيرانيون يدعمون الهجوم الإيراني على إسرائيل في ساحة فلسطين في طهران | إيران، 14 نيسان ٢٠٢٤

بدأ الهجوم الإيراني الأخير ضد إسرائيل يزيد المخاوف من اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط. يوم السبت الماضي، أطلقت إيران هجوماً واسعاً بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضد إسرائيل وصادرت سفينة شحن على صلة بها في مضيق هرمز. جاءت هذه الاعتداءات بعد إقدام إسرائيل على اغتيال عدد من كبار قادة «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا.



شمل الهجوم الإيراني على إسرائيل أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصواريخ جوالة وباليستية. يفوق هذا العدد الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران في اتجاه قاعدة عين الأسد الجوية ومطار أربيل الدولي (15 صاروخاً) ردّاً على مقتل قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ»الحرس الثوري» الإيراني، في كانون الثاني 2020، على يد الأميركيين. يحمل هذا الاختلاف دلالات بارزة.

أولاً، كان الرد على قتل سليماني يهدف بكل بساطة إلى استرجاع كرامة الإيرانيين. كان قتل شخصية بهذه الأهمية والشعبية يفرض على إيران أن تردّ بطريقة ما، لكن حرصت طهران على توخي الحذر لأنها تخشى أن تخوض حرباً تصعيدية مع الولايات المتحدة.

في المقابل، لم يكن ضحايا الهجوم الإسرائيلي ضد السفارة الإيرانية في دمشق في 1 نيسان، معروفين أو نافذين بقدر سليماني، لكن كان الرد على تلك العملية أقوى وأكثر تعقيداً. يعني هذا الاختلاف أن الرد الأخير لا يرتبط بكرامة البلد بكل بساطة، بل يتعلق أيضاً باستعمال شكلٍ من الردع.

تدرك إيران نطاق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وقدراتها، لذا بدا حجم الضربة الأخيرة مُصمّماً لجعل جزء من الذخائر الهجومية على الأقل يخترق تلك الدفاعات ويُسبّب درجة من الأضرار. لا شك في أن طهران شعرت بخيبة أمل بعد عجزها عن تحقيق هذا الهدف، لكن يستطيع الإيرانيون أن يواسوا أنفسهم لأن الهجوم أرعب المواطنين الإسرائيليين وأثار قلق حكومتهم. تأمل إيران على الأرجح في أن يُعتبر ذلك الاعتداء مزعجاً بما يكفي كي يتردد القادة الإسرائيليون في إطلاق عملية مشابهة للضربة التي استهدفت السفارة.

قد تبدو الذخائر الهجومية التي يصل عددها إلى 300 وما فوق كثيرة، لكنها تحمل مؤشرات إلى ضبط النفس وتثبت قلق طهران من تصعيد الوضع بدرجة إضافية. كانت إيران تستطيع إطلاق ذخائر أخرى، فتستعمل ضعف ذلك العدد على الأقل من دون استنزاف مخزون المعدات طويلة المدى الذي تملكه.

ثانياً، تذكر التقارير الأولية أن الهجوم ركّز على هدف عسكري واحد أو عدد من الأهداف العسكرية، بما في ذلك قاعدة القوات الجوية الإسرائيلية خارج بئر السبع، ما يشير مجدداً إلى حرص الجانب الإيراني على توخي الحذر. كان البلد يستطيع استهداف تل أبيب أو حيفا، حيث يرتفع احتمال أن يقتل أي هجوم مماثل المدنيين الإسرائيليين.

هذه المعطيات كلها تؤكد على التقييم الاستراتيجي القائل إن إيران لم ترغب في تصعيد الوضع مع إسرائيل، بل إنها تبذل قصارى جهدها لتجنب التصعيد. تستهدف إسرائيل حركة «حماس»، حليفة إيران، بأعنف الطرق، لكن تسير الحرب في غزة بطريقة تناسب طهران حتى الآن. تضرّرت إسرائيل كثيراً من هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، فقد تجمّدت خطط البلد المتعلقة بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتلوم معظم دول الشرق الأوسط والعالم إسرائيل والولايات المتحدة على كل ما حصل. نتيجةً لذلك، لا شيء يدفع قادة إيران إلى المجازفة بهذه المكاسب لمنح إسرائيل (أو الولايات المتحدة) مبرراً لإلحاق الضرر بإيران.

على صعيد آخر، يواجه النظام الديني تحديات اقتصادية كبرى، واحتجاجات واسعة، وأعمال عنف من جانب مجموعة البلوش العرقية. كذلك، يُعتبر الجيش الإيراني ضعيفاً ومن المتوقع أن يخسر في أي مواجهة شاملة مع القوات العسكرية الإسرائيلية، لا سيما إذا هبّت الولايات المتحدة لمساعدة حليفتها، وهو أمر متوقع. لهذا السبب، تبقى أي حرب إقليمية تصبح فيها إيران في معسكر الخاسرين احتمالاً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة إلى نظامٍ يمرّ أصلاً بظروف صعبة.

لكن تجاوزت إيران نقطة اللاعودة، حتى لو كانت لا تعترف بذلك. لم يسبق أن استهدفت إيران إسرائيل من أراضيها مباشرةً قبل يوم السبت الماضي. ولم يسبق أن استهدفت إسرائيل الأراضي الإيرانية مباشرةً، بل اقتصر هجومها العسكري حتى الآن على استهداف الإيرانيين في سوريا، ولبنان، وأماكن أخرى، أو إطلاق اعتداءات سرّية في الأراضي الإيرانية، ما يسمح لها بإنكار مسؤوليتها. لكن كان الهجوم العسكري الأخير عبارة عن ضربة صريحة من إيران في اتجاه إسرائيل، وهي خطوة تباهى بها الإيرانيون. قد يشجّع هذا الحدث إسرائيل على القيام بالمثل، علماً أنها تستطيع إلحاق أضرار أكثر خطورة بإيران.

لكن تبقى حسابات إسرائيل معقدة جداً، إذ تقوم إيران بتسليح خصومها الإقليميين، وتمويلهم، وتدريبهم. يستعد القادة الإسرائيليون لخوض صراع مع «حزب الله»، حتى أن البعض يعتبر هذا الحدث حتمياً. كذلك، تدعم إيران الحوثيين في اليمن، ويهاجم هؤلاء سفن الشحن الدولية بحجّة استهداف إسرائيل. لا عجب إذاً في أن يعطي قادة إسرائيل الأولوية لكبح النفوذ الإيراني في المنطقة.

في الوقت نفسه، لطالما اعتبرت إسرائيل نظام ردعها أساسياً لحماية الدولة والحفاظ على أمن مواطنيها. مجدّداً، ردّت إسرائيل على كلّ الاعتداءات انطلاقاً من أهم فكرة تقوم عليها نظرية الردع: على البلد الذي يتعرّض للهجوم أن يردّ باعتداء أقوى بعشرة أضعاف لمنع تكرار الهجوم عليه. جاء اعتداء 7 تشرين الأول ليجدد التزام إسرائيل بهذا النهج، بعدما تخلى البلد عن جزء من عدائيته حين شعر بما يكفي من الأمان لكسب دعم دولي إضافي.

رغم فشل الهجوم الإيراني الواضح، قد تفضّل إسرائيل استهداف إيران في مكانٍ ما كي تثبت أن أحداً لا يستطيع منعها من الرد وتعيد فرض نظام ردعها.

لكن يتراجع احتمال حصول رد إسرائيلي من هذا النوع بعد فشل الهجوم الإيراني، وتكثر انشغالات إسرائيل وجيشها في هذه الفترة أصلاً. لا تزال الحرب مع «حماس» مستمرة، وسبق وأعلنت إسرائيل رغبتها في تمشيط رفح رغم رفض المجتمع الدولي، بما في ذلك واشنطن. وبسبب هذه الحرب، تدهورت سمعة إسرائيل على الساحة الدولية، وتراجع الدعم الذي تحظى به في الولايات المتحدة، وتوقف أي تقارب محتمل مع دول الخليج العربي. في غضون ذلك، يريد الإسرائيليون العاديون استرجاع حياتهم العادية، ويواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمات كبرى بسبب الحرب وتعبئة عدد هائل من جنود الاحتياط. في الوقت الراهن، يسعى الجيش الإسرائيلي ومعظم فروع الحكومة المحلية إلى معالجة المشكلات العسكرية بدل زيادتها سوءاً.

تبرز أيضاً بعض الاعتبارات العسكرية والتقنية. يتعلق جانب بسيط لكن مهم بالمخاطر المطروحة على الأردن. يجب أن تتردد إسرائيل في إطلاق أي ضربات قد تخترق المجال الجوي الأردني من الآن فصاعداً، ويُفترض أن تطبّق مقاربة مشابهة في المجال الجوي السعودي خوفاً من إضعاف فرص تطبيع العلاقات مع الرياض.

نتيجةً لذلك، لن يبقى للطائرات والصواريخ الإسرائيلية إلا طريق سوريا – العراق أو تركيا – العراق للتحليق فيها وضرب الأهداف الإيرانية، ولا يُعتبر أي منهما مثالياً. في الوقت نفسه، تبقى تركيا جزءاً من حلف «الناتو»، وهي تملك دفاعات جوية قوية، ولا ننسى الدفاعات الجوية الروسية في سوريا.

تملك إسرائيل من جهتها خمس غواصات ألمانية الصنع، وهي قادرة على إطلاق صواريخ جوالة خاصة بها. يمكن استعمالها في المحيط الهندي حيث تحلّق صواريخها فوق المياه الدولية وإيران حصراً. لكن يقتصر عددها على خمسة، وتبقى صواريخها الجوالة محدودة.

لا تنذر هذه العوامل كلها بحصول رد إسرائيلي مضاد على إيران، لا حاضراً ولا مستقبلاً، لكنها تزيد الوضع تعقيداً وتشير إلى عودة إسرائيل إلى توسيع نطاق العمليات التي تستهدف المسؤولين الإيرانيين والموارد العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان، وحتى العراق واليمن. بعبارة أخرى، لن تنجح الضربة الإيرانية الأخيرة في ردع إسرائيل لكنها لن تستفزها أيضاً.

أخيراً، يبدو الموقف الأميركي بسيطاً. تريد الولايات المتحدة أن تتجنب أي حرب إقليمية قد تجرّ القوات الأميركية إلى الصراع، وتزعزع الأسواق الدولية، وتزيد تعقيد موقف حلفاء واشنطن العرب. هي تريد حماية الإسرائيليين طبعاً، لكنها تفضّل أن تنهي إسرائيل عملياتها في غزة. شعر المسؤولون ببعض الراحة في غرفة العمليات في البيت الأبيض عشية الهجوم الإيراني، لأنهم مقتنعون بأن إسرائيل وإيران لن تتخذا أي خطوة تصعيدية أخرى.

لكن حتى لو كانت إيران وإسرائيل تملكان أسباباً وجيهة لمنع تصعيد الصراع، يبقى الوضع السياسي في البلدَين فوضوياً بمعنى الكلمة وبدأت مشاعر الخوف والشكوك تتوسع مع مرور الوقت. نتيجةً لذلك، قد تتحقق السيناريوات غير المتوقعة بسبب سوء تقدير بسيط، كأن يقتنع كل طرف بأن العدو يتجه إلى تصعيد الوضع في مطلق الأحوال.

تؤكد عملية يوم السبت على مخاطر فك ارتباط الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط. لم يتحسن وضع المنطقة من دون واشنطن، بل أصبحت أكثر خطورة مما كانت عليه، وباتت أحداثها متفجرة وغير متوقعة، وهي تُهدد المصالح الأميركية. كانت الجهود الديبلوماسية الأميركية قد سمحت في الماضي بطمأنة إسرائيل وكبح نزعتها إلى تصعيد الوضع، وتُعتبر القوات العسكرية الأميركية بحد ذاتها جزءاً من الأسباب التي جعلت طهران تتردّد في اتخاذ خطوات هجومية أخرى. تثبت جولة العنف الأخيرة أهمية أن تأخذ الولايات المتحدة المبادرة لصدّ إيران وعملائها وتقوية حلفاء واشنطن.

MISS 3