كيث جونسون

هل يتغيّر هذا الوضع قريباً؟

أسواق النفط تحافظ على هدوئها رغم تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل

18 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

كان متوقعاً أن تضطرب أسواق الطاقة هذا الأسبوع، بعد أيام على زيادة التهديدات الإيرانية بإطلاق اعتداءات انتقامية ضد إسرائيل. لكن بعد استرجاع الهدوء غداة وابل الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقتها إيران نحو إسرائيل يوم السبت الماضي، في إطار عملية يعتبرها الكثيرون غير فاعلة، لم يواجه التجار ضربة بالقوة المتوقعة بل تعاملوا مع اضطراب عابر.



تراجعت أسعار النفط الخام في بورصة لندن ونيويورك يوم الإثنين بدرجة بسيطة، ما يثبت أن المخاوف من تصعيد الوضع واندلاع حرب محتدمة في الشرق الأوسط تشارك فيها واحدة من أكبر الدول المُنتِجة للنفط في العالم تبقى مبالغاً فيها، حتى الآن على الأقل. لم تستهدف الاعتداءات الإيرانية أي شبكات طاقة في إسرائيل. حصلت طهران على المساعدة من المقاتلين الحوثيين المتحالفين معها في اليمن، لكن استهدفت تلك الضربات إسرائيل بحد ذاتها ولم تكن موجّهة ضد عمليات الشحن في البحر الأحمر، وهو الهدف الذي اختار الحوثيون التركيز عليه منذ تشرين الأول.

لم يتأثر السوق كثيراً بالأحداث الأخيرة لأن كلّ التطورات التي وقعت في عطلة نهاية الأسبوع الماضية لا تُعتبر أسوأ من كل ما حصل منذ هجوم حركة «حماس» في 7 تشرين الأول بالنسبة إلى أسواق الطاقة. يتابع الإيرانيون وعملاؤهم استهداف إسرائيل المنشغلة بخوض الحرب مع «حماس». في غضون ذلك، يتابع الحوثيون مضايقة سفن الشحن في البحر الأحمر ويبعدون بذلك عدداً كبيراً من شركات النفط الغربية، لكن لم يطلق المسلحون النار على أي ناقلات حتى الآن. في الوقت نفسه، بقيت تهديدات إيران المتقطعة بإغلاق نقطة الاختناق الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية في مضيق هرمز فارغة المضمون، على غرار كلّ تهديداتها الأخرى في العقود القليلة الماضية.

سبق ورفع تجار النفط سعر المواد الخام من 70$ للبرميل الواحد إلى 90$ منذ بداية كانون الأول، وسُجّل أكبر ارتفاع في الأسابيع الأخيرة استباقاً لأسوأ السيناريوات المحتملة. لم تتحقق أسوأ الاحتمالات بعد، لكنها قد تحصل في مرحلة لاحقة لأن الولايات المتحدة وإسرائيل تخططان راهناً لإطلاق ردودهما على العملية الإيرانية الأخيرة.

يقول ريتشارد برونز، أحد مؤسسي وكالة الاستشارات البحثية Energy Aspects في لندن ورئيس قسم العلوم الجيوسياسية فيها: «تراجعت المخاطر الجيوسياسية المطروحة، لكنها لم تختفِ بالكامل. من المنطقي أن تنخفض الأسعار قليلاً، لكن يجب ألا يتوقع أحد عودتها إلى ما كانت عليه في بداية السنة لمجرّد أن هذه المواجهة بالذات لم تفجّر الوضع».

تعلّمت أسواق النفط أن تتأقلم مع الأزمات الجيوسياسية بطريقة لم يتصورها أحد منذ سنوات، فقد كان أبسط مؤشّر إلى تصعيد الوضع في الشرق الأوسط يزعزع العقود الآجلة للنفط الخام حينها، فيسارع الرؤساء الأميركيون إلى تحرير الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية. يمكن نَسْب جزء من التفاؤل المستجد إلى التغيرات الحاصلة في طريقة تزويد سوق النفط العالمي بالإمدادات. تبقى الولايات المتحدة أكبر مُنتِجة في العالم، ومن المتوقع أن يُسجَّل نمو في إمدادات النفط العالمية خلال هذا العام وفي السنة المقبلة في الولايات المتحدة وبلدان أخرى في الأميركيتَين مثل البرازيل، وكندا، وغويانا. كذلك، بدأ الطلب العالمي على النفط يتباطأ، رغم استمرار نموه، لأن العالم لا يزال منشغلاً بتبديد تداعيات أزمة «كورونا».

نتيجةً لذلك، لا يُعتبر سوق النفط العالمي محدوداً، حتى لو كان لا يملك فائضاً من الإمدادات. بفضل انضباط منظمة «أوبك» وشركائها وقدرتهم على كبح الإنتاج، تكثر قدرات إنتاج النفط الاحتياطي في السوق العالمي: إنها خطوة واقية في حالات الطوارئ لإبقاء أسواق النفط أكثر هدوءاً مما توحي به عناوين الأخبار (لكن يصعب تنشيطها في الوقت الراهن).

في مطلق الأحوال، قد تقع أسوأ السيناريوات في المرحلة المقبلة. مع استمرار التوازن بين حجم العرض والطلب العالمي على النفط وإصرار منظمة «أوبك» وشركائها على مراقبة مستوى الإنتاج لرفع الأسعار قليلاً عند الحاجة، يبقى المجال مفتوحاً لحصول صدمات سياسية أو جيوسياسية قد تزعزع أسواق النفط، وتكثر الأحداث الصادمة التي يمكن توقّعها في هذه الظروف.

يقول كيفن بوك، مدير الشركة الاستشارية في مجال الطاقة، ClearView Energy Partners، في واشنطن: «لا أظن أننا نستطيع أن ننظر إلى إيران وإسرائيل بمعزل عن بعضهما. من المنتظر أن تنتهي صلاحية العقوبات المفروضة على فنزويلا هذا الأسبوع. في غضون ذلك، تتابع أوكرانيا استهداف المصافي الروسية، ويسعى الكونغرس إلى فرض عقوبات على صادرات إيران إلى الصين. يبدو سوق النفط أشبه بكلب بودل متوتر، فيركض هذا الأخير مستعملاً 97 في المئة من قوته حين يكون سعيداً كي لا يشدّ صاحبه على طوقه لجعله ينبح».

أولاً، لا تزال نقاط الاختناق النفطية الأساسية موجودة في مرمى النيران. يتابع الحوثيون مضايقة سفن الشحن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يمرّ فيه 12 في المئة من إمدادات النفط الخام العالمية المنقولة بحراً. كما أنهم يتابعون إطلاق النار على السفن، وحتى ناقلات النفط أحياناً. رصدت القيادة المركزية الأميركية أصواتاً متواصلة للطائرات المسيّرة الحوثية والصواريخ المضادة للسفن، ما يعني أن سفن الولايات المتحدة وحلفائها ستبقى منشغلة في ذلك الممر المائي الضيق.

في الوقت نفسه، لا تزال إيران قادرة على إثارة المشكلات في مضيق هرمز الذي يُعتبر ممراً مائياً أكثر أهمية على الجانب الآخر من المملكة العربية السعودية، إذ تضطر معظم كميات النفط الخام السعودي والكويتي وكلّ إمدادات النفط الإيرانية للمرور به. صادرت القوات الإيرانية سفينة على صلة بإسرائيل هناك يوم السبت الماضي، وقال القادة العسكريون الإيرانيون في الأسبوع الماضي مجدداً إن بلدهم قد يحاول إغلاق مضيق هرمز للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل. (لا يُعتبر إغلاق هذا المضيق سهلاً بقدر ما تظن إيران، لكن لن يخلو فتحه من العواقب بقدر ما تتمنى الولايات المتحدة).

ثانياً، تعهدت إسرائيل بالرد على هجوم إيران الانتقامي، لكن لم يتحدد بعد توقيت ذلك الرد أو طبيعته. يتوقع المحللون أن تستهدف إسرائيل مواقع عسكرية إيرانية عبر استعمال أسلحة سيبرانية أو توجيه ضربة عسكرية. في المقابل، يبدو أي هجوم إسرائيلي على منشآت النفط الإيرانية مستبعداً لأنها تُعتبر أهدافاً مدنية، حتى لو كانت بالغة الأهمية بالنسبة إلى ميزانية طهران العسكرية، لكن يبقى هذا الخيار وارداً رغم كل شيء. (نقلت أوكرانيا الحرب إلى قطاع النفط في روسيا لمحاولة استهداف المجال الذي يؤذي الكرملين).

قد يُسبب أي هجوم لاحق على قطاع النفط الإيراني مشكلات في هذا السوق الذي بدأ يدير شؤونه للتو من دون مساعدة منظمة «أوبك» أو الأعضاء المنتسبين إليها. سجّلت إيران أكبر نمو على مستوى الإنتاج في إطار القطاع الاحتكاري الذي يسعى إلى تخفيض الإنتاج في السنة الماضية، وهي تنتج في الوقت الراهن حوالى 3.2 ملايين برميل من النفط يومياً رغم العقوبات الأميركية الشكلية ضدها.

تبرز أيضاً مخاطر أخرى على أسعار النفط، وهي لا تتطلب تفجير الوضع بالضرورة. بدأ الكونغرس الأميركي يفكر بفرض مجموعة من العقوبات الإضافية ضد إيران، بما في ذلك مشروع قانون يستهدف البنوك الصينية التي تساعد إيران في تجارة النفط. يُعتبر هذا التدبير مستهدفاً لأقصى حد لأن الصين تستورد حوالى ثلث النفط الإيراني وتُعتبر السبب الوحيد وراء النمو المستجد في الصادرات الإيرانية. إذا تم إقرار هذا التدبير وتفعيله، يظن بوك أن أسعار النفط سترتفع بنسبة 10 في المئة تقريباً، أي بحدود 8$ للبرميل الواحد.

لا ترغب إدارة بايدن من جهتها في ارتفاع أسعار النفط خلال هذه السنة الانتخابية. هي أوضحت هذا الوضع لأوكرانيا، وتتابع تحذير كييف من مهاجمة منشآت النفط الروسية الأساسية خوفاً من أن ترتفع أسعار الوقود في الولايات المتحدة بنسبة الربع مقابل كل غالون. لكن لا يسهل مقاومة نزعة الكونغرس إلى استهداف إيران برأي بوك، إذ يصعب الاعتراض على هذا النوع من القرارات في معظم الحالات.

أخيراً، يبرز مصدر خطر آخر على أسعار النفط بسبب العقوبات. قد تدعو الأطراف الأوروبية في «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه الولايات المتحدة) إلى فرض عقوبات تلقائية لا يمكن الاعتراض عليها في الأمم المتحدة. قد تسمح هذه الخطوة بتضييق الخناق على صادرات النفط الإيرانية التي تجدّدت في الفترة الأخيرة، ما يؤدي إلى حصر سوق النفط الضيّق أصلاً.

في النهاية، يقول برونز: «حين يتوقع المعنيون بدء مرحلة من المصاعب، يتكيّف السوق مع ما ينتظره عموماً. لكن عندما يحصل تضييق الخناق بوتيرة تدريجية وضمنية ثم يقع حدث مؤثر، يسهل أن نستيقظ على ارتفاع سعر النفط بمعدل 10$».

3