ديفيد ميليباند

حان الوقت كي يتخلّى البنك الدولي عن الممارسات التقليدية

19 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

اجتماعات الربيع التي ينظمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة | 12 نيسان ٢٠٢٤

تحمل اجتماعات الربيع التي ينظمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي جزءاً من صفات مفاوضات السلام الدراماتيكية، إذ تطغى عليها في معظم الأوقات أسئلة تقنية وتكنوقراطية على صلة بتفاصيل التمويل الدولي. لكن بالنسبة إلى أفقر شعوب العالم، تُعتبر القرارات التي يتخذها المسؤولون خلال تلك الاجتماعات مسألة حياة أو موت.



منذ التسعينات، سهّل البنك الدولي جهود تقليص مظاهر الفقر المدقع حول العالم بدرجة بارزة، فقد كان هذا الفقر الشديد يصيب شخصاً واحداً من كل ثلاثة أشخاص في العام 1990، ثم تراجع هذا المعدل اليوم إلى أقل من شخص واحد من كل عشرة. لكن شهدت دول هشة وغارقة في الصراعات، مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية وبورما، نزعة معاكسة: في تلك الأماكن، بدأ الفقر المدقع يتوسّع، ومن المتوقع أن تبلغ نسبة الفقراء داخل هذه البلدان 59 في المئة بحلول العام 2030. اليوم، يتّكل أكثر من 300 مليون شخص على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة بسبب تداخل الصراعات، والتغيّر المناخي، والصدمات الاقتصادية.

تقدّم الاجتماعات الحاصلة في واشنطن هذا الأسبوع فرصة لتشجيع البنك الدولي على سدّ هذه الفجوة من خلال إعادة إحياء مقاربته الرامية إلى معالجة الفقر المدقع. تتطلب هذه العملية ابتكارات تفوق ما قدّمته الأوساط التنموية والإنسانية تاريخياً. لكن إذا تمكّن البنك الدولي من التخلي عن أُطُر العمل التنموية التقليدية وتحسين نطاق عمله ومبادراته المستدامة، قد ينجح في تكثيف الدعم لصالح أكثر الفئات المحتاجة.

في الدول المستقرة، تتكل اقتصاديات التنمية راهناً على قواعد تتجاوز «إجماع واشنطن» الذي يرتكز على مبادئ السوق الحر ونزع القيود، وتدعم المؤسسات المالية الدولية في الوقت الراهن نماذج النمو المستدامة والشاملة. لكن في الدول الغارقة في الأزمات، حيث تُعتبر المبادرات الإنسانية الفاعلة أول خطوة على طريق التنمية، تبدو السياسات التي يطبّقها البنك الدولي أقل تطوراً بكثير.

يدرك البنك الدولي هذا الواقع. تعترف خارطة طريق التطور الجديدة بقيادة رئيس البنك الدولي أجاي بانغا، بوجود حاجة مُلحّة إلى التركيز على مظاهر الهشاشة، والصراعات، والتغيّر المناخي، وتحديات عالمية أخرى، لتحقيق مهمّة البنك التي تهدف إلى القضاء على الفقر في كوكبٍ صالح للعيش. لكنه لا يزال بحاجة إلى خطة ملموسة.

تاريخياً، لطالما اتكل البنك الدولي على شراكات حكومية قوية. لكن في ظل تبدّل مشهد الفقر في كل مكان، يجب أن يتبنى مقاربة أكثر مرونة في المراحل المقبلة. يُفترض أن يوسّع البنك نطاق خدماته عبر شركاء غير حكوميين، لأن هذه الأطراف تبقى أكثر قدرة على الوصول إلى الجماعات المحتاجة. إنه عامل ضروري لإدارة الأزمات حين تعجز الحكومة عن بلوغ أجزاء معيّنة من البلد.

نجحت لجنة الإنقاذ الدولية مثلاً في عقد شراكة مع «التحالف العالمي للقاحات والتحصين»: تُعرَف هذه المنظمة العالمية باسم «غافي» وتهدف إلى تسهيل الوصول إلى اللقاحات، بالتعاون مع جماعات من المجتمع المدني الأفريقي في إثيوبيا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان. بدءاً من شهر شباط الماضي، سمحت هذه الشراكة بتوزيع أكثر من مليون جرعة لقاحات لإنقاذ حياة الأولاد. قبل هذا البرنامج، كانت لجنة الإنقاذ الدولية تستطيع الوصول إلى 16 في المئة فقط من الجماعات المستهدفة في القرن الأفريقي. أما اليوم، فهي تصل إلى 77 في المئة من تلك المناطق.

على صعيد آخر، يحتاج البنك الدولي إلى خطة واضحة لتوسيع نطاق عملياته. لا تقتصر هذه العملية على بناء القدرات، بل تتطلب أيضاً تخفيف الأعباء عن أنظمة وطنية مثل شبكات المستشفيات التي تفتقر في معظم الحالات إلى موارد كافية خلال الأزمات. نجحت منظمات إنسانية، مثل لجنة الإنقاذ الدولية، في تقليص حالات سوء التغذية الحادة وسط الأولاد من خلال عقد شراكة مع العاملين في قطاع الصحة المجتمعية لتشخيص الأمراض وإعطاء العلاجات بدل زيادة الحالات المسجلة في المستشفيات.

يجب أن يحرص البنك الدولي على ضمان استمرارية أي تقدّم تُحرزه برامجه. تتطلب هذه العملية جهوداً حقيقية، لا مجازية، لنقل السلطة إلى المستجيبين المحليين وبناء الثقة معهم كي يتمكنوا من قيادة جهود الإغاثة وتقديم المساعدات بالشكل المناسب. تستطيع هذه المقاربة أن تضمن دعم الجهود التنموية لمصلحة المجتمع على المدى الطويل، ويُعتبر اتحاد «بناء مجتمعات قادرة على الصمود في الصومال» خير مثال على ذلك. تعاون هذا البرنامج مع أكثر من 450 مجتمعاً خلال العقد الماضي، وكان عمله أساسياً لتجنب المجاعة.

أخيراً، يُفترض أن يطلق البنك الدولي نموذجاً جديداً للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة له، فهي واحدة من أكبر مصادر تمويل مشاريع التنمية في أفقر بلدان العالم. فيما يناقش قادة البنك الدولي والجهات المانحة كيفية تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية هذه السنة، يجب أن يحسّنوا آليات تمويلها كي تصبح أكثر تجاوباً مع المخاطر التي تواجهها الدول، ونقاط ضعفها، وقدرتها على الاستفادة من مصادر تمويل أخرى. تقدّم «نافذة التصدي للأزمات» التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية مثلاً موارد إضافية كي تتمكن البلدان من التعامل مع الصدمات المناخية والصحية والاقتصادية، ويمكنها أن تشمل معايير أفضل لتقييم تأثير الهشاشة والصراعات والعنف على تلك الصدمات.

ستكون زيادة التمويل العام جزءاً أساسياً من هذه الجهود. تَفاوض البنك الدولي على حزمة تمويل لصالح المؤسسة الدولية للتنمية آخر مرة في العام 2021، فوافق شركاء التنمية حينها على حزمة بقيمة 93 مليار دولار لدعم جهود التنمية المستدامة في أفقر بلدان العالم. هذه السنة، يُفترض أن تقدّم الجهات المانحة مساهمات أكثر طموحاً لإعادة المؤسسة الدولية للتنمية إلى المسار الصحيح والسماح لها بزيادة حجمها بمعدل ثلاثة أضعاف بحلول العام 2030. كذلك، قد يستفيد البنك من توسيع الشراكات غير الحكومية لتحسين طريقة توزيع أموال المؤسسة الدولية للتنمية.

شَهِدت فترة التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين واحدة من أعظم قصص النجاح التنموية في العالم، فقد نجا مئات ملايين الناس من الفقر المدقع. تُحدد الأوساط التنموية والإنسانية المكان الذي سيشهد قصة النجاح المقبلة، لكن لا يمكن تحقيق هذا الإنجاز بناءً على أدوات الماضي. لحسن الحظ، سبق وتأكدنا من قدرة الجهات الفاعلة الإنسانية على توسيع نطاق العمليات وضمان استمراريتها في أماكن كثيرة، بما في ذلك عدد من أكثر المناطق تعقيداً في العالم. يُفترض أن يستعمل البنك الدولي تلك التجارب كدليل توجيهي في خضم سعيه إلى رسم مساره المستقبلي.

MISS 3