د. سارة ضاهر

النّقد في خدمة "ترندات مع مايا"

19 نيسان 2024

19 : 34

في عصر التّكنولوجيا التي تكتسح العالم وتهيمن على حياة النّاس، وفي خضمّ التّطوّر السّريع للتّقنيّات الحديثة، أصبحت وسائل التّواصل الاجتماعيّ تلعب دورًا أساسيًّا في تشكيل وجهة نظر الفرد وتوجيه اهتمامه نحو مختلف المواضيع.


وفي هذا العالم المتسارع الإيقاع في نقل الخبر ليشمل، ومن دون مبالغة، العالم أجمع، تطلّ علينا الرّوائيّة والنّاقدة والإعلاميّة مايا الحاج في برنامجها "ترندات مع مايا"، في ما يُعتبر أوّل برنامج يقدّمه التّلفزيون العربيّ 2 (الدوحة) على منصّات السّوشيل ميديا.


تشغل التّرندات، سواء أكانت فنّيّة أم تكنولوجيّة أم سياسية، مواقع التّواصل الاجتماعيّ...


قد تأتي هذه الترندات على مقطع فيديو أو صورة أو منشورًا أو هاشتاغ أو غير ذلك ممّا يشكّل حدثًا ساخنًا جديدًا يُثار على منصّات التّواصل الاجتماعيّ، من من إنستغرام ويوتيوب وفايسبوك وتيك توك وغيرها.


هذه الترندات يمكن أن تعكس اهتمامات النّاس، وقد تغدو وسيلة تمكّن المسوّقين والشّركات من التّرويج لمنتوجاتهم وخدماتهم، وذلك بسبب الانتشار السّريع الذي يلقاه التّرند، ما يؤثّر في المتلقّين فيتداولونه في أحاديثهم لفترة معيّنة.


غير أنّ ترندات مايا مختلفة وفريدة وغنيّة في آن؛ فهي لم تشأ أن تكون مقلّدة أو مكرّرة للخبر، إنّما أرادت أن تستفيد من تجربتها النّقديّة والصّحفيّة في الوقت نفسه، وتقدّم برنامجًا متميّزًا استطاعت بعض حلقاته أن تستقطب ملايين المتابعات على إنستغرام.


تنهل مايا الحاج، المتعدّدة المعارف والمهارات، من الحياة الاجتماعيّة الرّاهنة، وتطلّ علينا بمواضيع الساعة، مع اهتمام واضح بقضايا المرأة والانسان وتحديدا نساء فلسطين اللّواتي يفقدنَ أولادهنّ، أو يلدنَ في ظروف غير صحّيّة، واللّواتي يعجزن عن تأمين لقمة العيش...


تتوقف في فقراتها ذات الايقاع السريع عند الأوضاع المأسويّة التي تمرّ بها المرأة الفلسطينيّة في ظلّ الحرب على غزّة، فتثور المشاعر الإنسانيّة في داخلها، وتوجّه كلامها إلى كلّ امرأة تعتبر نفسها تحمل رسالة قوامها المرأة وحقوقها، لتعلن أنّها لا تعترف بأيّة منظّمة نسويّة لا تحمل راية المرأة الفلسطينيّة، كما أنّها لا تعترف بأيّة امرأة لا تدعم المرأة الفلسطيّنيّة بالوسائل التي تعبّر بها كالكتابة أو الإعلام أو غير ذلك...


من المواضيع اللّافتة التي تناولتها ايضا هو موضوع الأثر البيئيّ السّلبيّ الذي تسبّبه إسرائيل من خلال عدوانها على غزّة ودورها في التّغيّر المناخيّ...





يشكّل موضوع التّرندات تجربة جديدة وغنيّة في شكلها ومضمونها تخوضها مايا الحاج التي أفادت من عالم النّقد ودخلت من خلاله عالم التّرندات بهدف تحليلها وإشراك المتابع بها، فهي لا تتوقّف عند الخبر، ولا تعرضه فحسب مكرّرة ما قيل، بل تنتقل إلى التّحليل الذي يحمل في طيّاته الأبعاد الدّلاليّة التي تثير حشرية المتلقّي وتفتح الآفاق أمامه.


ويسلّط البرنامج الضّوء على التّأثير الاجتماعيّ والثّقافيّ للتّرندات، إذ يتناول قضايا هامّة، ويشجّع على التّفكير النّقديّ، كما يسعى إلى التّفاعل مع القضايا المطروحة بشكل ذكيّ وواع، محاولًا فهم الخلفيّات والتّأثيرات المحتملة في المجتمع والكشف عنها. إنّها تخلق تواصلًا حيويًّا بينها وبين المتابعين بهدف سماع الآراء الشّخصيّة، الأمر الذي كانت حصيلته نجاحًا باهرًا استطاع أن يصل إلى عدد كبير من الكتّاب والمثّقّفين العازفين عن عالم السّوشيل ميديا وبرامجه.


وبالمختصر، يقوم البرنامج على تقديم ترند في أقلّ من دقيقتين، ثمّ تحلّل أبعاده المختلفة فتدرسه كجزء من حياتنا ومجتمعنا وسلوكيّاتنا.


بعدها تطرح سؤالًا تشرك به المتابعين ما يحفّز الحسّ النّقديّ التّحليليّ عندهم ويحثّهم على المشاركة في قراءة التّرند وفهم أبعاده ودلالاته، فلا يعود مجرّد متلقٍّ بل يصبح عنصرًا متفاعلًا فكرًا وعاطفة.


واللّافت في هذه التّرندات أنّها تعرض ظواهر اجتماعيّة تختزل واقع المجتمع الذي تعرض ما يرتبط به، والدّليل أنّ التّرندات المرتبطة بحرب غزّة، التي لم تتناول الحرب عسكريًّا أو سياسيًّا، بل إنسانيًّا وإعلاميًّا واجتماعيًّا، تعكس الوضع العامّ لشعب غزّة وما يعانيه في ظلّ العدوان الإسرائيليّ، ما يجعل من هذه التّرندات وثقائق تسجّل تفاعل النّاس مع هذه الحرب، وتشهد عليها، من خلال الصّوت والصّورة.


ختامًا، مايا الحاج تقرّب المسافات، فتغوص في الأعماق، وتأخذنا معها إلى عالم التّحليل المنطقيّ والرّؤيا الاجتماعيّة، من خلال سبر أغوار التّرندات ومحاولة الكشف عن أبعادها ودلالاتها الاجتماعيّة التي تعكس الواقع الرّاهن.


تعتبر ترندات مايا نافذة مثيرة نشرف من خلالها على عالم التّرندات على أنواعها، وما تثيره من مواضيع حديثة، فيلتقط المتلقّي مختلف الصّور التي تثير اهتمامه ويقف عندها ويفهمها، كما يغوص أكثر في واقع المجتمع الحاليّ، فيجمع بين التّسلية والثّقافة والاستكشاف، ولا ينجرف وارء الخبر العاجل، بل يتفاعل معه فكريًّا وعقليًّا، ذلك أنّ الانفتاح على التّطوّرات الرّقميّة تؤثّر في حياة المتابع اليوميّة، وما هدفت مايا الحاج إلّا لأن يكون هذا الانفتاح واعيًا وعميقًا.

MISS 3