مايا الخوري

ميلاني إبراهيم: مواكبة الصعوبات التعلمية باكراً تحقّق نتائج واعدة

22 نيسان 2024

02 : 00

منذ نشأتهم، يطوّر الأطفال مهاراتهم الجسدية والنفسية والعلائقية بمحيطهم مكتسبين المعرفة اللازمة لنموّ سليم. ولكن فجأة، قد يلحظ الأهل تراجعاً في تلك المهارات المكتسبة خصوصاً عندما يلتحق الطفل بمقاعده الدراسية الأولى. فكيف نميّز بين الصعوبات التعلّمية والإضطرابات، وكيف نعالجها؟ الأخصائية في العلاج النفسي- حركي ميلاني إبراهيم تجيب عبر «نداء الوطن».

ما هي الإشارات الدالة إلى وجود صعوبات تعلّمية لدى الطفل؟

قبل التحاق الطفل بالمدرسة لا يمكن الحديث عن صعوبات تعلّمية، بل عن تأخر في اكتساب المهارات الخاصة بسنّه، مثل التأخر في المشي أو النطق أو النظافة، وغيرها من المهارات. وعندما يبدأ سنته الدراسية الأولى يمكن ملاحظة بعض الإشارات على صعيد التأخر في اكتساب الحرف أو القراءة أو الإنضباط أو التركيز في الصف أو التفاعل مع رفاقه، فتكون هذه دلالات إلى تأخّر في اكتساب المهارات التعلمّية.

هل التدّخل المبكر يسهّل عملية إعادة التأهيل؟

طبعاً، يسهّل عملية إعادة التأهيل، فكلما واكبنا التلميذ منذ صغره، كلما كانت النتيجة أسرع وأفضل.





بعض الأولاد يعانون فجأة من صعوبات أكاديمية لم تكن ظاهرة سابقاً، ما السبب؟

لا شيء مفاجئاً في هذا الإطار، يتمكن التلميذ الصغير أحياناً من التحكّم ببعض الصعوبات لأنها لا تكون كثيرة أو عميقة، ولكنه مع تقدّم الصفوف وازدياد المسؤوليات، قد لا يتمكن من ضبطها فتظهر بشكل أوضح.

مع التوضيح بأن الصعوبات التعلّمية قد تكون طارئة نتيجة حدثٍ في محيط الطفل، مثل طلاق الأهل أو فقدان شخص عزيز، أو مرضٍ أو نتيجة لحدثٍ غير واضح المعالم. لذا من الضروري تمييز الصعوبات عن الإضطرابات التي تولد مع الطفل وتحتاج إلى متابعة مختلفة.

في حال الصعوبات التعلميّة، كيف نميّز إحتياجات التلميذ في هذا الإطار؟ أي هل يحتاج إلى متابعة نفسية أو نفسي- حركية أو نطقية؟

تتحمّل المدرسة المسؤولية أولاً في توجيه الأهل، وإذا لم تفعل، يمكن أن يبادر هؤلاء إلى استشارة أخصائي من أجل توجيههم وتحديد نوعية العلاج الأنسب لولدهم.

هل يمكن الربط ما بين الذكاء والصعوبات التعلّمية ؟

نتأكّد أولاً من درجة ذكاء الطفل قبل التحدث عن صعوبات تعلّمية. فإذا كان يعاني من ضعف في هذا الإطار، عندها لا نتكلم عن الصعوبات بل عن الضعف الفكري (deficience intellectuelle) الذي يتطلّب متابعة مختلفة.

ما هي الخطّة التي يضعها أخصائي النفس - حركي من أجل مواكبة ذوي الصعوبات؟ وهل تختلف وفق سنّ الطفل؟

في البداية، يخضع الولد لإختبار علمي وفق سنّه، ننطلق من نتيجته لملاحظة الصعوبات وتحديد الأهداف ووضع خطة المتابعة والعلاج المناسبة لإحتياجاته. فإذا كان صغيراً في السن نطوّر مهاراته على صعد التركيز، وكيفية الإمساك بالقلم وكيفية الإنضباط والجلوس. بينما إذا كان في سنّ المراهقة مثلاً، نغضّ النظر عن طريقة إمساكه بالقلم للكتابة، لأنه إعتاد عليها، فنرّكز على مهارات أخرى.





كم تبلغ مدّة العلاج؟ وهل تقتصر على الصعوبات التعلّمية المحددة في الإختبار أم تشمل مهارات أخرى أيضاً؟

بعد إنجاز الإختبار العلمي، نضع تحليلاً مفصّلاً أوليّاً (bilan initial) نحدد فيه النقاط التي يجب التركيز عليها في خلال 6 أشهر من المتابعة الأسبوعية. بعدها يخضع التلميذ إلى تحليل آخر من أجل ملاحظة التقدّم الذي أحرزه بعد فترة العلاج، ويحدد ذلك ما إذا كان يتطلّب متابعة إضافية لستة أشهر أخرى أو أنه تخلّص من صعوباته.

في خلال المتابعة الأسبوعية، يصبّ هدفنا على تذليل الصعوبات المحددة في التحليل، إضافة إلى تعزيز المهارات الأخرى أيضاً، لأن الأهداف مترابطة بشكل أو بآخر. مثلاً، إذا كنا نعمل على تطوير التوجه المكاني (orientation spatial) ندعم في الوقت نفسه تمييز وجهة الكتابة على الورقة.

إذا لم يتحسّن أداء الطفل بعد فترة العلاج، ما الخطّة البديلة؟

يجب أن نلحظ تطوّراً على الأقل بنسبة 70% بعد انتهاء 6 أشهر من المتابعة، بغضّ النظر عما إذا كان الولد يحتاج إلى فترة علاج أطول أم لا، فالمهمّ ملاحظة تطوّر معينٍ في أدائه. إذا لم يتحقق ذلك، نبحث عن السبب ويمكن الحديث عن إضطراب.

ما هو الإضطراب؟

يولد الإضطراب مع الطفل، وهو يفرض خطة متابعة مختلفة عن تلك الخاصة بالصعوبات. عندما يحدَّد نوع الإضطراب، نحدد كيفية توجيه الطفل والأهل للتكيّف معه.

ما دور الأهل في هذه المرحلة؟

دور الأهل مهمّ جداً إلى جانب دور الأخصائي في العلاج، قد يحتاجون إلى جلسات توجيهية في كيفية التعامل مع الولد، والإطلاع على احتياجاته في هذه المرحلة.

ما أهمية التعاون ما بين الأهل وإدارة المدرسة من جهة، والمعالج وإدارة المدرسة من جهة أخرى؟

من المهم تطبيق المدرسة للتعليمات أو التوجيهات التي نحددها في التقييم. فإذا حددنا أن التلميذ لا يمتلك مهارة الكتابة بالسرعة المطلوبة، يجب إضافة الوقت المخصص له لإتمام واجباته، أو غضّ النظر عن الأخطاء الإملائية في حالات أخرى. كما يجب إطلاع المعلّمات على التوجيهات المحددة من قبل المعالج في كيفية التصرّف مع التلميذ، فلا يؤنّب أو يُعامل بالأسلوب نفسه كالتلاميذ الآخرين. من جهة أخرى يجب أن تتعاون الإدارة مع الأهل فتكون متفهّمة لوضع التلميذ ولا تمارس الضغوط عليه.

هل المرحلة العلاجية كافية للتخلّص من الصعوبات، أم من شأنها ضبطها فقط؟

إن المرحلة العلاجية كفيلة بتخلصّ الولد من صعوباته، في حال كانت صعوبات وليست إضطرابات كما حددنا سابقاً. فيكمل دراسته بشكل طبيعي مع متابعة شكليّة من فترة إلى أخرى من أجل تدعيم مهاراته. أما إذا كنا نتحدث عن إضطرابات، فهي ترافق الشخص طيلة حياته، لكنه سيتمكن من إكمال دراسته الأكاديمية والجامعية، بتعاون ما بين الأخصائي والمدرسة. يدعّم التلميذ بتقنيات تساعده في التكيّف مع الإضطراب الذي يعاني منه، مثلاً في حال إضطراب الإفراط في الحركة ADHD، هناك تقنيات مساعدة للتركيز لوقت أطول، وهناك تقنيات خاصة بالتنفّس والإستراحة، وتقنيات لضبط الإنفعالات والمشاعر. وهناك تقنيات خاصة بمن يعاني من عُسرٍ في القراءة أو الكتابة، وتقنيات خاصة للتأتأة.

في النهاية يجب أن يُدرك الأهل، بأنه يمكن التخلّص من الصعوبات وضبط الإضطرابات مهما كان نوعها، وهي لن تؤثر في مستقبل أولادهم، لكن المهمّ تحديدها والتحلّي بالوعي اللازم من أجل المتابعة الصحيحة والكفيلة في تذليل تداعياتها.

MISS 3