أحمد الأيوبي

نُخَبٌ سنيّة تُسقط وصاية "المستقبل" وتُنبّه "القوّات"

22 نيسان 2024

02 : 00

إنتخابات المهندسين (فضل عيتاني)

حملت إنتخابات نقابتي المهندسين في بيروت والشمال، رسائل سياسية من العيار الثقيل لأطرافٍ سياسية، كانت تستظلّ بتحالفات نقابية حافظت على تماسكها رغم حالة الإنفصال السياسي التي سادت بشكل خاص بين «تيار المستقبل» و»القوات اللبنانية»، وبين الأخيرة وشرائح سنيّة مستقلة أو مرتبطة بالحالة الإسلامية، كما بعثت بخلاصات سنيّة حاسمة وهي أنّه لم يعد بإمكان من يتولّى الأمر في «التيار الأزرق» أن يقول «الأمرُ لي» وأن يجري «الإمتحانات» للمرشحين والقفز فوق إرادة الشريحة الناخبة. هذا ما يستوجب قراءة عميقة في المآلات التي وصل إليها الشارع السنّي وما هي الإتجاهات التي تقوده بعد أن وصل إلى قناعة بضرورة مباشرة قراره بنفسه من دون وصاية أحد.

هبطت المشاركة السنيّة بانتخابات النقابة في بيروت إلى 17%، فقد بلغ عدد المهندسين السنّة الذين سدّدوا اشتراكاتهم 7500 شارك منهم 1300 مهندس فقط، وعدد المهندسين الشيعة المسدِّدين لاشتراكاتهم 9500 حضر منهم 2500. أمّا عدد المهندسين المسيحيين الذين يحقّ لهم الانتخاب فكان 9000 تقريباً، حضر منهم حوالى 4500 مهندس. وكانت نسبة التصويت الكبرى عند المسيحيين حيث كان النائب جبران باسيل يخوض الإستحقاق وكأنّه مناورة سياسية لانتخابات رئاسة الجمهورية.

سيطر جوٌّ من الإحباط على المهندسين السنّة في بيروت لأنّهم لم يتمكنوا من تحقيق حضور لهم في اللائحتين الرئيستين المتنافستين، وهذا الانطباع تعزّز تجاه «المستقبل» ما أدّى إلى انقسام قاعدته الإنتخابية إلى أربعة أقسام:

ــ الأول، عبّر عن إحباطه بالاعتكاف والامتناع عن المشاركة.

ــ الثاني، التزم بالتحالف وصوّت لتحالف القوات - المستقبل.

ــ الشريحة التي تعمل في شركات كبرى، وهي شريحة واسعة، منحت أصواتها للمرشح العوني فادي حنّا.

لم تُسعِف التحالفات «الجماعة الإسلامية» في تأمين مكان لها في إحدى اللائحتين، فسحبت مرشحها. هذا الواقع أفقد مهندسيها ومن يحاذيهم من الصف السنّي الشهية للمشاركة، فلم تنجح الإتصالات في تأمين دخول «الجماعة» إلى تحالف «القوات – المستقبل»، ربما بسبب حماوة التنافس المسيحي، فحلّ ناصر عيدو مرشحاً سنيّاً كمرشح تسوية بين «المستقبل» و»وقف البّر والإحسان» و»المقاصد»، وحظي بدعم «الجماعة» لكنّه لم يتمكّن من النجاح.

وحسب مصدر نقابي فإنّ «القوات» فضّلت عدم المخاطرة مقابل 300 صوت سنّي، فخسرت لائحةُ التحالف مع «المستقبل» بخمسمائة صوت في موقع النقيب و200 صوت في العضوية في واقعة تشبه إلى حدٍّ بعيد الانتخابات الماضية.

جلس «التقدمي الاشتراكي» على مقاعد الحياد، وذلك بعد تقاطع معلومات عن اتصالات حثيثة ومباشرة قام بها باسيل مع وليد جنبلاط أسفرت عن امتناع الحزب عن المشاركة في الإصطفاف القائم، ولو أنّه انحاز إلى إحدى اللائحتين المتنافستين لكان قلب الموازين. وساهم حياد «الإشتراكي» في توجّه الجماعة نحو الخروج من الاصطفاف ودعم جورج غانم مرشح «العمل النقابي الحرّ».

إشكالية «القوات» والشارع السنّي

قد يكون مفهوماً أن تخسر «القوات» في بيروت في ظلّ الظروف القائمة، لكنّها في طرابلس، وبدلاً من تحقيق فوزٍ سهل، اصطدمت برفض لبعض من يمثلها في مجلس النقابة والأهم أنّها واجهت محاسبة قاسية من قاعدة المهندسين بسبب استمرارها في الانحياز إلى جانب «المستقبل» وترك حلفائها وأبرزهم النائب أشرف ريفي و»الجماعة الإسلامية» و»التجمع المهني للإصلاح» الذين اصطفوا مع تقاطعات ضمّت النائب فيصل كرامي و»التيار الوطني»، بعد أن فرض فتفت ترشيحه كحالة مستقلة قادرة على إدارة العمل النقابي باحتراف وتوازن بالنظر إلى تاريخه النقابي الطويل.

سقوط الوصاية الزرقاء

لم يقبل المهندسون في الشمال الوصاية التي حاول الأمين العام لـ»تيار المستقبل» أحمد الحريري فرضها عليهم، وخاصة «الإمتحانات» التي أخضع لها المرشحين بالكثير من الإستعلاء ورفضها بشكل خاص النقيب الفائز فتفت. إستحضر أحمد الحريري معركة شرسة ضدّ تيار المستقبل باستبعاده نبيل عبد الحي الذي حظي بإجماع داخل وخارج التيار وفرضه ترشيح مرسي المصري متجاوزاً الاستطلاعات التي أعطت عبد الحي الأولوية.

نظّم «المستقبل» ثلاثة إفطارات خلال شهر رمضان في بيروت والإقليم والبقاع، ودعا إلى كلّ إفطار 300 مهندس وقد قام بالتغطية المالية المرشح لمركز النقيب بيار جعارة، وفي الشمال قام المصري بتمويل كلّ الحملة الانتخابية، كما ساهم في الحملة في بيروت والبقاع. أصبحت هناك قناعة بالقدرة على رفض إملاءات أحمد الحريري على الساحة السنية، وأنّ ما يقوله لا يمشي على الجميع، وتعزّزت فكرة أنّ مرشحي المال هم ذوو الحظوة في «تيار المستقبل».

في حسابات الربح السنية غير المنظورة، فإنّ النقيب فتفت هو عضو فاعل في «إتحاد رجال الأعمال للدعم والتطوير – إرادة» وهو ما يعتبره القائمون على هذا الإتحاد قفزة نوعية في إيصال أعضائه إلى مراكز قرار لها وزنها في الساحة السنية، وهو ما سيتكرّس بحضور وفد كبير من «إرادة» إلى نقابة طرابلس لتهنئة النقيب فتفت.

أخيراً، يبدو النائب الأسبق أحمد فتفت من الفائزين في معركة الشمال، ليس من الباب العائلي، بل ما حصل هو نوع من الثأر مما قام به أحمد الحريري ضدّ نجله سامي في الانتخابات النيابية الأخيرة، وروى قسماً منه النائب الأسبق مصطفى علوش.

MISS 3