بشارة شربل

تهديم المرتكزات من "النجمة" إلى "مونو"

22 نيسان 2024

02 : 00

لسنا في وارد إضافة يأس إلى إحباط. فاللبنانيون كفروا بالعجز إزاء سلطة متخاذلة ومستقوية في آن، مثلما سئموا أصواتاً ناعبة وأبواقاً مهدّدة للسياديين بالويل، وللمسيحيين بالاندثار، إن طالبوا باستعادة دولة الميثاق والحريات، متمنّعين عن ركب قطار «تسوية» متوهّمة يقوده حارس جديد لـ«الاستقرار» اسمه هذه المرة «حزب الله» وطهران، وليس حافظ الأسد ووريثه بشار.

عكس ذلك، وجب استنهاض كل مؤمن بلبنان السيادة والاستقلال طامح بدولة المواطنية والمساواة كي يعي أنّ الخطر يهدّد أعماق ميثاق 1943 شراكةً وحياداً وحريات، مثلما يهدم أسس وفاق «الطائف» الذي أعاد تثبيت الوحدة الوطنية وعدَّل التوازنات بعد دم ودمار. أما المواجهة فحتمية على كل مستويات المواقف والممارسات التالية التي تختصر المنحى التدميري الذي يُساق إليه لبنان الدولة والكيان والإنسان.

فالإصرار مثلاً على انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية يحاول ترويج أعراف غير ديموقراطية، خصوصاً عبر «بدعة» الحوار، ما يطيح ممارسة حُكمية يفرضها الدستور في قاعة البرلمان. و«الثنائي الشيعي» يسعى في هذا الإطار ليرسي تقاليد أصَّلتها «طبائع الاستبداد» مشرّعة إمساك السلطة بكسر وخلع مشفوعَين ببطاقات اقتراع.

ولو اقتصر ابتزاز النظام البرلماني واللبنانيين على مصادرة كرسي بعبدا لقلنا إنّ رأس الدولة موقع مهمّ يريده «الحزب» للاطمئنان، لكن الطعنة تلي الطعنة. فالتواطؤ لتأجيل استحقاق البلديات قائم على قدمٍ وساق. وساحة النجمة موعودة بيوم دستوري أسود يمدّد فيه النواب الممانعون والمائعون للمجالس المحلية، في وقت تحتاج كل بلدية إلى تجديد دماء وتفعيل أعمال، ناهيك عن أنّ تداول السلطة حقٌ لا تُسقطه اعتبارات أمنية محدودة ولا ظروف سياسية تخصّ بعض الأطراف.

ولا يقلّ الموقف الرسمي من النزوح ضرراً عن سائر الممارسات. فبقاء المعابر مشرّعة أمام كلّ أنواع الممنوعات، وشلّ السلطة المركزية وامتناع المؤسسات عن القيام بدورها، أسبابٌ سمحت بتفاقم وجود سوري لا يهدّد لقمة عيش كثيرين ويزيد الجريمة المحْدقة بالسلم الأهلي فحسب، بل يقلب الديموغرافيا ويدفع التوتر الأهلي إلى مناحٍ لم تكن في الحسبان.

أما ذروة تعريض الكيان لخطر التفكك والنسيج الاجتماعي إلى التهتك، فهو احتكار «الحزب» قرار السلم والحرب وتحوّله قوّة إقليمية عابرة تُقاتل من سوريا إلى اليمن وتفتح حرباً لمؤازرة السنوار، فيما السلطة الفلسطينية الشرعية تتبرأ من «طوفان» حوّل غزة من قطاع محرّر إلى منطقة احتلال يحيا فيها الموت والركام. وإذ تضع مغامرة «المُشاغلة» التي تُخاض الآن كل البلاد على «كف عفريت»، فإنّ مَن تورّط بها يرغب في إسكات كل معترض عليها، معمّقاً الانقسام إلى درجة تخوين أفراد وجماعات وطوائف، ما ينذر بتحويل شعور «الانفكاك» الدفين مطلباً جامعاً لأكثرية اللبنانيين الذين يبغون «حج خلاص».

وإذا حاولنا تعداد الأحداث التي اقتلعت أوتاد الدستور، لوَقَفنا مليّاً على أطلال العدالة المترنّحة فوق القوس، وقَبله في النيابات المطأطئة أمام القاتل والناهب وكل أفّاك يتمتع بحمايات.

آخر الإرتكابات منع الكاتب والممثل الكندي اللبناني وجدي معوّض، من عرض مسرحيته في «مونو» بذرائع ممانعة تخوينية استهدفت سابقاً أمين معلوف الذي يرأس أعرق صرح ثقافي فرنسي. وهو نهج خطير لقيامه على ترهيب الاختلاف وتكريس ثقافة القطيع متوسّلاً تحريضاً شعبوياً وأجهزةَ دولة استتبعتها الميليشيات.

إنه تدمير لحصن الحرية، أهمّ مرتكزات الكيان والمحفّز على التميّز والرحابة وعلى إنتاج إبداع لا تقيّده سياسات وعقائد نَبتت من أرض أو هبطت من سماء.

MISS 3