إختتم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي زيارته باريس حيث استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وتركّز البحث على ملفّي النزوح والجنوب. ولم يحمل ميقاتي معه أي جديد سوى الوعود الفرنسية بالعمل والمساعدة على حلّ مشكلات لبنان. وتتخبّط السلطة اللبنانية في حلّ أزمة النازحين التي انفجرت وتحاول الحصول على غطاء أوروبي وغربي لمباشرة المعالجة المرجوّة.
يرتبط بعض الملفات اللبنانية ببعضها الآخر، وإذا كان الاستحقاق الرئاسي هو الأساس، يبقى الوضع في الجنوب بمثابة برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة. واحتلّت أزمة النزوح السوري الحيّز الأكبر من مباحثات ميقاتي مع الرئيس الفرنسي، ويستطيع الرجلان التحدّث وفهم بعضهما البعض، فباريس وإدارة ماكرون كانتا من أكثر المساهمين في تزكية خيار نجيب ميقاتي.
ويؤكّد المطلعون على السياسة الفرنسية عدم قدرة باريس على اجتراح الحلول، فـ»الأم الحنون» تسعى بكل قواها لتأمين مصالحها الاقتصادية في لبنان، البلد المنهار. ويراهن ميقاتي على مساعدة فرنسية لحلّ أزمة النزوح لئلّا ينفجر الوضع الداخلي. وأعطى ميقاتي صديقه الرئيس الفرنسي سلسلة مطالب في هذا المجال، أولها طرح أزمة النازحين في لبنان على دول الإتحاد الأوروبي، وثانيها وقف التمويل الأوروبي والغربي للنازحين في لبنان ودعمهم في سوريا لكي يتشجّعوا على العودة، وثالثها يتمثّل بالحديث مع المجتمع الدولي لتجهيز مناطق آمنة في سوريا لكي يعود إليها النازح الذي دُمّر منزله أو لا يستطيع العودة إلى بلدته ومدينته.
قد يكون الرئيس ميقاتي طرح النقاط التي تسهّل العودة، وهذه البنود ناقشها مع الرئيس القبرصي الذي زار لبنان، ووعد الأخير بتناولها وبحثها في اجتماع الاتحاد الأوروبي. ومن يتابع سياسة فرنسا وأوروبا في ما خصّ موضوع النزوح يدرك أنّ الدور كان لصالح النازحين على حساب لبنان، ومن لا يتذكّر زيارات كل من الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وحتى الرئيس الحالي ماكرون إلى مخيمات النازحين في لبنان والموقف الفرنسي الذي يرفض عودتهم إلى سوريا ويمنعهم من التوجّه إلى أوروبا ويعمل على إبقائهم في لبنان.
ويمكن الاستنتاج أنّ باريس والعواصم الأوروبية والغربية تنفّذ أجندة مصالحها، وإذا كان البعض يراهن على دور فرنسي في هذا السياق، فليعد بالذاكرة إلى دور باريس في ملف رئاسة الجمهورية، فماكرون ومعه مجموعة الإليزيه دعمت سابقاً مرشّح «حزب الله» رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وحاولت إيصاله إلى الرئاسة بصفقة مع «الحزب» وإيران، رغماً عن إرادة القوى المسيحية.
ولن يختلف الأمر بالنسبة إلى ملف النزوح السوري، فالموقف الفرنسي والأوروبي هو مع إبقاء النازحين في لبنان، وتذهب الجمعيات والمنظمات الدولية التي تموّلها بأغلبيتها الساحقة دول أوروبا إلى حدّ المطالبة بدمجهم في المجتمع اللبناني، وتعمل هذه المنظمات والجمعيات من أجل تقوية النزوح السوري في لبنان وتمكين النازحين إقتصادياً كمقدّمة لتوطينهم.
لم يحمل ميقاتي الخبر اليقين من باريس في ما خصّ الوجود السوري، وكل ما سمعه هو وعود، والأغرب من هذا كلّه، هو الطلب الفرنسي والأوروبي بضرورة قيام لبنان بكل ما يلزم من أجل وقف تدفّق النازحين إلى أوروبا، علماً أنّ لبنان ملتزم بالاتفاقيات الدولية، ومن ضمنها منع الهجرة غير الشرعية، لكن هناك أزمة أكبر منه وحجم النزوح السوري بات يشكّل الخطر الأكبر على الدولة اللبنانية، والأوروبيون لا يقدمون على أي خطوة من أجل حلّ هذه الأزمة.
لا يمكن الرهان على الغرب لحل أزمة بهذا الحجم، ولهذا تتّجه الحكومة والمؤسسات الأمنية إلى اتخاذ خطوات إجرائية من أجل ضبط النزوح أولاً وإطلاق مسار العودة، وإلا ستواجه البلاد أخطاراً جديدة وخضّات ستطال أوروبا بالتأكيد.