رافييل كوهين

الحرب بين إيران وإسرائيل بدأت للتّو

25 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

جداريّة تُصوِّر صواريخ إيرانية في أحد شوارع طهران | إيران، 19 نيسان ٢٠٢٣

ليل 13-14 نيسان الماضي، حصلت معجزتان صغيرتان. أولاً، اعترضت إسرائيل حوالى 170 طائرة مسيّرة، و120 صاروخاً باليستياً، و30 صاروخاً جوالاً أطلقتها إيران في اتجاهها، فأثبتت بذلك براعتها التقنية، بمساعدة حلفائها. ثانياً، كسبت إسرائيل بعض التعاطف والتعليقات الإيجابية بعد أشهر من التغطية الإعلامية السلبية وتصاعد الضغوط الدولية عليها.

أمام هذا النجاح المزدوج في صدّ الهجوم الإيراني وتحسين صورة إسرائيل، يقال إن الرئيس الأميركي جو بايدن وعدداً من الحلفاء والخبراء أوصوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاكتفاء بهذا الفوز.

لكن لم تهتم إسرائيل بتطبيق هذه النصيحة على ما يبدو. يقال إنها ألغت فكرة إطلاق رد فوري مضاد وتبدو مكتفية بتهدئة الوضع، كما طلب بايدن، لكن تعهد جميع القادة الإسرائيليين بالرد، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، وقائد الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، والوزير في حكومة الحرب بيني غانتس، ونتنياهو شخصياً. في صباح يوم الجمعة، استهدفت إسرائيل نظاماً للدفاع الجوي في قاعدة جوية إيرانية في أصفهان في وسط إيران.

قد تبدو هذه الضربة رمزية بشكل عام، لكنها تطرح السؤال التالي: لماذا تعارض إسرائيل الأميركيين وحلفاءها الآخرين مجدداً، لا سيما بعدما سارعت تلك الدول إلى مساعدتها؟

تتعدد الأسباب السلبية التي تفسّر الرد الإسرائيلي الأخير، لكن يتعلق العامل الأهم بمحاصرة إسرائيل وإيران داخل دوامة حرب ستستمر في المراحل المقبلة. وطالما يستمر هذا الصراع، لا مفر من أن يتدهور الوضع بسبب المنطق الكامن وراءه.

يحصر البعض سبب الرد الإسرائيلي بطموحات نتنياهو. وفق هذه الفرضية، يحاول نتنياهو أن ينقذ نفسه بكل بساطة. خسر رئيس الوزراء الإسرائيلي معظم شعبيته داخل إسرائيل، إذ تقتصر نسبة تأييده على 15 في المئة اليوم.

انهار مصدر شرعيته السياسية (أي مزاعمه المرتبطة بضمان أمن إسرائيل) بعد هجوم حركة «حماس» في 7 تشرين الأول وتداعيات تلك العملية. لا عجب إذاً في أن يفترض بعض المراقبين، بما في ذلك النظام الإيراني، أن نتنياهو يريد خوض الحرب مع إيران لتحسين صورته محلياً (أو إطالة تصفية الحسابات السياسية على الأقل منذ كارثة 7 تشرين الأول) وزيادة فرص صموده السياسي.

قد يكون نتنياهو رجلاً يائساً، لكن لم يصدر قرار الرد منه وحده، فقد كان خصومه السياسيون من أقوى الأصوات الإسرائيلية الداخلية التي دعت إلى إطلاق رد مضاد، مع أنهم أكبر المستفيدين سياسياً من سقوط نتنياهو. في غضون ذلك، لم يتّضح بعد إلى أي حد سيكون استهداف إيران نهجاً سياسياً مفيداً لنتنياهو أو أي مسؤول آخر.

وفق استطلاع نشرته الجامعة العبرية في الأسبوع الماضي، يعارض حوالى 74 في المئة من الإسرائيليين الهجوم المضاد «إذا كان يُضعِف التحالف الأمني الذي تقيمه إسرائيل مع حلفائها». كذلك، استنتج الاستطلاع نفسه أن 56 في المئة من الإسرائيليين مقتنعون بضرورة أن يردّ بلدهم «بطريقة إيجابية على مطالبات حلفائهم السياسية والعسكرية لضمان نظام دفاعي مستدام مع مرور الوقت». وحتى داخل ائتلاف نتنياهو، لم تُعتبر الضربة الإسرائيلية المضادة المحدودة يوم الجمعة الماضي، انتصاراً سياسياً واضحاً. انتقد وزير الأمن القومي اليميني إيتمار بن غفير، ذلك التحرك عبر منصة «إكس» مثلاً واعتبره «فاشلاً».

في المقابل، تبدو الأسباب التي أعلنتها إسرائيل لتبرير الرد المضاد فارغة المضمون. تكلّم المسؤولون الإسرائيليون عن ضرورة «توجيه رسالة» إلى طهران «وتلقينها درساً». لكن يثبت تاريخ إسرائيل الحديث أن أعمال العنف المتبادلة نادراً ما تعطي أثراً تأديبياً. عجزت عمليات إسرائيل العسكرية الأربع المحدودة في غزة قبل الحرب الراهنة (إلى جانب ضربات متقطعة وأصغر نطاقاً) عن تفكيك حركة «حماس» أو ردعها، وجاء هجوم 7 تشرين الأول ليثبت هذه الفكرة مجدداً. كذلك، استعملت إيران مصطلحات مشابهة عن ضرورة «تلقين إسرائيل درساً» لمنعها من استهداف عملائها في سوريا وأماكن أخرى وتبرير هجومها الأخير. هذه التطورات كلها تُجدد التساؤل حول نجاح إسرائيل في محاولة تلقين إيران درساً قاسياً.

يجب الاعتراف بأن إسرائيل نجحت في تلقين خصومها الدروس في بعض الحالات. قد تكون حرب لبنان في العام 2006 خير مثال على ذلك، فهي بدأت بعدما عَبَر عناصر من «حزب الله» الحدود في اتجاه إسرائيل، وقتلوا 8 جنود إسرائيليين، وخطفوا اثنين آخرَين. بعد ذلك الصراع، أعلن أمين عام الحزب حسن نصرالله أنه يندم على إطلاق تلك العملية. لكن تطلّب تلقين ذلك الدرس حرباً شاملة ومدمّرة استمرت طوال 34 يوماً وترافقت مع سقوط 121 جندياً إسرائيلياً، ومئات المقاتلين من «حزب الله»، وأكثر من ألف مدني، وتهجير أكثر من مليون شخص على طرفَي الحدود. لا تشبه تلك العملية الضربة المحدودة التي أطلقتها إسرائيل للتو ضد إيران.

لكن يبقى الانتقام طبعاً أهم دافع وراء رغبة إسرائيل في استهداف إيران. حتى لو تبيّن في النهاية أن الهجوم فاشل، أطلقت إيران حوالى 60 طناً من المتفجرات نحو إسرائيل مباشرةً، وحطّمت بذلك قواعد حرب الظل غير المكتوبة بين إسرائيل وإيران، وجعلت بلداً كاملاً على أعصابه ولو لليلة واحدة. من المبرر إذاً أن يرغب بعض الإسرائيليين في الرد على ذلك الاعتداء ويُصرّوا على موقفهم.

لكن كان الصحافي بريت ستيفنز محقاً حين ذكّر القرّاء في صحيفة «نيويورك تايمز» بأن «الانتقام طبق يُفضَّل أن يُقدَّم بارداً». بشكل عام، لا تشكّل القرارات العاطفية استراتيجية حذرة. ينطبق ذلك المبدأ على هذه الظروف بالذات، نظراً إلى المخاطر العسكرية والديبلوماسية المطروحة على إسرائيل والمنطقة ككل في حال اندلاع حرب إقليمية. عملياً، تبدو ضربة أصفهان مدروسة عمداً لمنع تصعيد الوضع.

لكن حتى قبل عملية أصفهان، كان ميزان القوى واضحاً على مستوى معيّن. في النهاية، خسرت إيران سبعة أعضاء من «الحرس الثوري الإيراني» خلال الضربة الإسرائيلية على المقر الديبلوماسي الإيراني في دمشق، بما في ذلك العميد محمد رضا زاهدي، عضو «فيلق القدس» الأعلى مستوى الذي يتعرض للقتل منذ أن اغتالت الولايات المتحدة قاسم سليماني في العراق في العام 2020. في المقابل، لم تتكبد إسرائيل خسائر مشابهة على يد إيران.

لكن مقابل الأسباب التي لا تبرر الضربات الإسرائيلية الراهنة والمستقبلية ضد إيران، يبرز سبب وجيه واحد على الأقل: إسرائيل وإيران تخوضان الحرب أصلاً. بقيت هذه الحرب ضمنية طوال سنوات، لكنها خرجت من الظل بعد هجوم 7 تشرين الأول. ثمة قاسم مشترك بين «حماس»، و»حزب الله»، والحوثيين، وجماعات أخرى تهاجم إسرائيل منذ ستة أشهر: تحصل هذه الجهات كلها على التمويل والتدريب والمعدات من إيران، ولو بدرجات متفاوتة. عندما حضر سبعة عملاء من «الحرس الثوري الإيراني» إلى دمشق في أواخر شهر آذار، بما في ذلك زاهدي الذي تولى تنسيق علاقات إيران مع «حزب الله» ونظام بشار الأسد، كانت إسرائيل محقة على الأرجح حين استنتجت أنهم لم يحضروا إلى هناك بلا سبب وجيه.

بعد الوابل الإيراني الانتقامي والرد الإسرائيلي المضاد، أصبحت الكرة في ملعب إيران مجدداً في خضم هذا الاستعراض الغريب للقوة العسكرية. تشير الأدلة الأولية إلى احتمال أن تتساهل إيران مع الرد الأخير، في الوقت الراهن على الأقل. في هذه الحالة، ستتنفس الولايات المتحدة والمنطقة كلها الصعداء على الأرجح.

لكن من المستبعد أن تستمر أي استراحة من هذا النوع للأسف. قد تحتاج إسرائيل إلى متابعة استهداف عملاء إيران في الخارج، حتى لو اقتصر السبب على إعاقة تدفق المواد والدعم الاستراتيجي من إيران إلى عملائها أو وقف هذه العمليات بالكامل. وعلى عكس مواقف إيران التي تزعم أن الوضع تحت السيطرة، ستستمر الحاجة إلى توجيه ضربات كتلك التي استهدفت المقر الديبلوماسي الإيراني في دمشق طالما تتابع إيران دعم عملائها ويتابع هؤلاء العملاء التورط في الصراع مع إسرائيل.

وإذا لم يكن الصراع التقليدي الوشيك سبباً كافياً لإطلاق تحرك عسكري إسرائيلي ضد إيران، يلوح سبب أكثر أهمية في الأفق اليوم: برنامج إيران النووي. منذ انهيار «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو الاتفاق النووي الإيراني، بدأت طهران تقترب من تصنيع قنبلة. يشعر القادة الإسرائيليون بالقلق منذ فترة طويلة من أن تجرؤ إيران المسلّحة نووياً على تكثيف دعمها لعملائها أو تذهب إلى حد استعمال الأسلحة لمهاجمة إسرائيل مباشرةً. برأي عدد كبير من الإسرائيليين، جاءت الضربة الإيرانية في الأسبوع الماضي لترسّخ تلك المخاوف. إذا تبيّن في نهاية المطاف أن الترسانة النووية الإسرائيلية المشبوهة لا تكفي لردع أي ضربة إيرانية تقليدية اليوم، فما الذي سيقنع إسرائيل بقدرتها على ردع إيران بعد حصولها على أسلحة نووية؟ هذا الوضع يزيد احتمال أن تطلق إسرائيل تحركاً استباقياً ضد برنامج إيران النووي، رغم التحديات العسكرية الكبرى التي تواجهها.

تظن إسرائيل أنها تحتاج إلى استهداف مواقع إيرانية أخرى، حتى لو كانت بعض العمليات تشتق من دوافع سياسية مشبوهة، أو منطق مبهم لردع الخصوم، أو مجرّد عواطف انفعالية. طالما تبقى إسرائيل وإيران جزءاً من هذا الصراع، سيتابع البلدان تبادل الضربات، بغض النظر عن توصيات الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين حول ضرورة تجنّب التصعيد.

إذا أرادت الولايات المتحدة وأوروبا إبطاء فرص اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، يجب أن تقنعا إيران بوقف استعمال عملائها وإحراز تقدّم إيجابي في برنامجها النووي، وإلا لا مفر من أن يتفاقم الصراع مع مرور الوقت.

MISS 3