رامي الرّيس

"الخُماسيّة" والخيارات اللبنانيّة

25 نيسان 2024

02 : 00

الانتظار اللبناني القاتل لتبلور تفاهمات خارجيّة تفضي إلى تسوية داخليّة يعكس مستوى الفظاظة السياسيّة التي تتعاطى بها بعض الأطراف المحليّة مع استحقاق دستوري هام بمستوى انتخابات رئاسة الجمهوريّة كما أنه يُعد بمثابة تكريس لأعراف كانت معتمدة سابقاً في المحطات السابقة ولكن من ضمن حدود معيّنة.

أما آن الأوان للقوى اللبنانيّة الفاعلة والقابضة على ناصية القرار السياسي أن تقدّم نموذجاً جديداً مغايراً للنماذج السابقة المشكو منها عبر التاريخ المعاصر لناحية ترجمة التفاهمات الخارجيّة على الساحة. ألم تكن تلك الاعتبارات (عند وقوع الخلافات الإقليميّة) سبباً لتفجير الساحة الداخليّة والاقتتال الداخلي بأبشع صوره؟

لماذا يعتبر البعض أنّ فكرة «لبننة» الاستحقاق الرئاسي اللبناني هي فكرة تبسيطيّة منفصلة عن الواقع السياسي؟ ولماذا لا يمكن التفكير جدياً بكيفيّة العمل تدريجياً على توسيع ذاك الهامش المحلي في مختلف المحطات الدستوريّة بما يعكس فعلاً إرادة اللبنانيين؟

صحيحٌ أن الديمقراطيّة اللبنانيّة هشّة بسبب الكثير من الاعتبارات أبرزها طائفيّة النظام والصيغة التوافقيّة التي تحتّم جمع أكبر عدد ممكن من «الموافقات» على أي خطوة سياسيّة أو دستوريّة، ولكن الصحيح أيضاً أنّ شل المؤسسات بالطريقة التي تتم فيها واعتماده كأسلوب ونهج عمل سياسي لم يعد ممكناً القبول به أو تبريره لأنه يلحق الضرر الهائل بلبنان واقتصاده ونظامه الاجتماعي وتركيبته برمتها.

وإذا كان لا بد من توجيه الشكر للجنة الخماسيّة التي تتحمّل مشقة الاستماع إلى التبريرات اللبنانيّة التافهة حيال التقاعس عن إتمام الواجبات الدستوريّة؛ إلا أنّه لا يمكن إغفال أنّ جانباً من حراكها قد يصبّ في إطار كسب تمرير الوقت حتى تبلور مناخات معينّة سواء في الداخل أم الخارج بخصوص قضيّة الرئاسة اللبنانيّة.

ولا يمكن، من ناحية أخرى، إشاحة النظر عن عدم إشراك أطراف إقليميّة فاعلة في أعمال اللجنة الخماسيّة، أو أقله في الحفاظ على مستويات معيّنة من التشاور معها بخصوص تقدّم (أو تراجع) النقاش حول الملف الرئاسي اللبناني لما لها من تأثير في نهاية المطاف على قوى لبنانيّة فاعلة ومؤثرة ولها ثقلها في المعادلة الداخليّة اللبنانيّة.

الأكيد أنّ استمرار حالة المراوحة القاتلة في الاستحقاق الرئاسي تنسحب على كل المؤسسات الأخرى، فالحكومة هي حكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيّات، وبالكاد تستطيع أن تدير شؤون البلاد بالحدود الدنيا، والقضاء يعاني ما يعانيه، والأجهزة الأمنيّة لا تزال تؤدي مهامها رغم الضائقة المعيشية التي يعاني منها أفرادها، ورغم تأثر هيبتها سلباً بحكم المسار العام للأمور.

الملفات الداخليّة المتزاحمة باتت تستوجب علاجات جذريّة وفوريّة خصوصاً أنّ النتائج السلبيّة للبعض منها بات ينذر بعواقب وخيمة ولعل في طليعتها ملف النازحين السوريين، وقد شهد تطورات سلبيّة في الأسابيع الماضية لناحية تصاعد الموجة العنصريّة ضدهم وهو أمر لا يصب حتماً في حماية الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي، كما أنه لا يساهم في عودتهم إلى بلادهم.

التعويل الأساسي لا يزال قائماً على تحوّل قريب في موقف المجتمع الدولي والأوروبي في ما يتعلق بالنازحين، إذ لا يجوز إجبار لبنان على إبقائهم عنوة، ولو أنه من الضروري حتماً تأمين عودة سالمة لهم دون أن يتعرضوا للخطر أو للاعتقال بأي شكل من الأشكال.

كما أنّ الأزمة المعيشيّة الضاغطة وغياب الحلول للقضايا الاجتماعيّة وتردي الخدمات العامة والبنى التحتيّة يحتّم أيضاً الاتجاه نحو مسارات جديدة يمكن من خلالها النفاذ نحو تغيير الواقع القائم بما يستحقه اللبنانيون من رخاء وازدهار وطمأنينة.

MISS 3