عيسى يحيى

بعلبك الهرمل قدّمت الدماء وهبّت لمساعدة المُتضرّرين

10 آب 2020

02 : 00

خلال تشييع شهيد الجيش حسن صادق شمص في بوداي

فُجعت بعلبك الهرمل بمصاب بيروت الجلل، وتغمّدت أرضها بدماء شهداء الواجب ولقمة العيش، وقدّمت ثمانية شهداء على مذبح الفساد والإستهتار، وانكوت فيها قلوب أمّهات وزوجات. حالها كحال مختلف المناطق اللبنانية التي استقبلت نعوش أبنائها، فيما ينتظر البعض معرفة مصير مفقوديهم.

ولأنّ المصيبة تجمع، أبت بعلبك الهرمل إلا أن تُشارك شقيقاتها المناطق والبلدات اللبنانية هول الفاجعة، وتوزّع فيها الشهداء، من القاع التي استقبلت شهيدة الواجب سحر فارس، مروراً بالهرمل وشهيد الجيش حمزة إسكندر الذي عُثر عليه يوم أمس، وما بينهما في شعث وبعلبك وقلد السبع وبوداي والنبي عثمان وحربتا، حيث غصّت تلك المناطق بأبنائها وراحت تلملم جراحها من النكبة التي حصلت، في حين ينتظر عددٌ من الأهالي خبراً عن أولادهم الذين لا يزالون في عِداد المفقودين.

إحتضنت بعلبك جثمان ابنها هولو أحمد عباس، فيما جسّد علي أحمد مشيك ابن بلدة قلد السبع البقاعية وهو المُعيل لثلاثة أولاد وزوجة، والذي سقط خلال التفجير المُدمّر الذي حصل في مرفأ بيروت، معاناة الكثير من اللبنانيين الذين يُقاتلون ويعملون في سبيل لقمة العيش ولأجل بعض الليرات التي لا تساوي ثلاثة دولارات. يعمل مشيك في التفريغ والتحميل على المرفأ مُقابل أجر يومي لا يتجاوز الثلاثين ألف ليرة، إضافةً إلى ساعات عمل إضافية مقابل مبلغٍ زهيد، غير أنّ القدر شاء أن يخطف مشيك من أمام عائلته يوم الحادثة، حيث عاد إلى المرفأ بعد اتصال تلقاه لتفريغ حمولة قمح مقابل بدل لا يكفيه لشراء دواء، في حال تعرّض لأي حادث نتيجة إرهاق العمل والحمولة على الظهر.

وكما استقبلت القاع شهيدة الواجب وفوج إطفاء بيروت سحر فارس إستقبال العروس في يوم زفافها، ورُفع النعش على أكتاف المُحبّين، إستقبلت امس بلدتا بوداي والهرمل شهيدي التضحية والوفاء من الجيش اللبناني حسن شمص وحمزة إسكندر واللذين قضيا مُتأثرين بجروحهما إثر الإنفجار، حيث غصّت حنجرتا والديهما بالبكاء والحسرة على الفراق، بعدما دفعت عائلاتهما الغالي والنفيس لرؤيتهما شباباً بعمر الورود، يجاهدون في سبيل لقمة العيش والدفاع عن الوطن. وما بين هؤلاء الشهداء، يبقى سؤال والدة الشهيد حمد العطّار عن ولدها أمام الشاشات، عقب الإنفجار مدوياً في آذان كل من سمعها، حيث كان وصف ملامح ولدها معطوفاً على غليان قلبها ولوعة خوفها عليه.

وفيما تشاركت مدينة الشمس وجاراتها الأحزان مع بقية الوطن، هبّ شبابها وشاباتها لمساعدة إخوانهم في الجمّيزة والأشرفية ومختلف المناطق التي تضرّرت. فبعد حملة التبرّعات بالدم التي حصلت في مختلف مستشفيات المنطقة عقب التفجير، توجّه امس أكثر من مئة وخمسين شاباً وشابة من المنطقة إلى العاصمة لمساعدة أبنائها في إزالة الركام وتنظيف الشوارع والمنازل، في ظلّ غياب السلطات المحلية عن القيام بدورها. كذلك نظّمت جمعيات من المجتمع المدني وناشطون حملات تبرّع بالطعام والثياب وتأمين منازل، حيث تمّ تأمين 141 مسكناً من قبل جمعية "سوا"، إضافةً إلى تأمين مساعدات تضمّنت مواد غذائية وأدوات تنظيف نُقلت إلى المُتضرّرين في بيروت. كما انتقل عدد من شباب وثوار بعلبك الهرمل للمشاركة في تظاهرة ساحة الشهداء، حيث توجّه العديد منهم وعلى نفقته الخاصة، لرفع الصوت بوجه الطبقة الحاكمة والمُطالبة باستقالة الحكومة ورئيس الجمهورية.


MISS 3