سينا توسي

إيران رسمت خطوطها الحمراء مع إسرائيل

26 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

صواريخ أرض-جو أمام صورة المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خلال عرض بمناسبة يوم الجيش الإيراني | إيران، 18 نيسان 2018

في 14 نيسان، اهتزّت أروقة المجتمع الدولي بسبب الهجوم العسكري الإيراني الجريء والمباشر ضد إسرائيل. شمل ذلك الهجوم حوالى 300 سلاح، منها 170 طائرة مسيّرة، وأكثر من 30 صاروخاً جوالاً، و120 صاروخاً باليستياً، وقد تحدّى ذلك الهجوم واحداً من أكثر الأنظمة الدفاعية الصاروخية تقدّماً في العالم.

فشلت معظم المعدات في بلوغ المواقع المستهدفة أو اعتُرضت، ومع ذلك أكّد المسؤولون الأميركيون على ضرب قاعدتَين جويتَين إسرائيليتَين بتسعة صواريخ على الأقــــل. لفهم كامل تداعيات ذلك الهجوم، لا بد من مراعاة الظروف الإيرانية الداخلية أولاً. يعتبر المسؤولون الحكوميون، والمحللون، والشخصيات السياسية، هذا الاعتداء مؤشراً إلى حصول تحوّل استراتيجي يهدف إلى تغيير الديناميات الإقليمية. برأيهم، لم تكن تلك الضربات تهدف إلى افتعال حرب شاملة، بل ترسيخ نظام ردع استراتيجي.

يأتي هذا التحوّل الاستراتيجي بعد فترة طويلة بقيت فيها التحرّكات الإسرائيلية ضدّ المصالح الإيرانية بلا ردّ. شملت تلك التحركات استهداف عسكريين وعلماء إيرانيين والبنى التحتية الإيرانية الأساسية من دون التعرّض للمحاسبة ظاهرياً.

لكن تبدّل المشهد السائد بعد خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي في عيد الفطر في 10 نيسان. جاء ذلك الخطاب غداة الضربة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 نيسان الماضي، ما أسفر عن مقتل 16 شخصاً، منهم ضابطان بارزان في «الحرس الثوري» الإيراني. أعلن خامنئي في خطابه العلني: «تُعتبر مقرّات القنصليات والسفارات في أي بلد جزءاً من الأراضي المحلية التي تنتمي إليها السفارة. أي هجوم على قنصليتنا هو هجوم على أراضينا. إنه رأي متعارف عليه عالمياً. النظام المشين ارتكب خطأً في هذا المجال، ويجب أن يُعاقَب وسيُعاقب حتماً».

كان رد إيران العسكري في المرحلة اللاحقة مدروساً، فقد أصدر البلد مسبقاً تحذيرات لعدد من الدول الإقليمية لتخفيف عدد الضحايا ومنح إسرائيل خيارات تسمح لها بمنع تصعيد الوضع. سارع المسؤولون الإيرانيون إلى توجيه رسالة واضحة في إطار هذا الوضع الاستراتيجي الجديد: أي تحرّك ضد الأراضي الإيرانية أو المواطنين الإيرانيين في الخارج مستقبلاً يحتّم إطلاق ضربات مضادة ومباشرة ضد الأراضي الإسرائيلية. هكذا حددت إيران عتبة تحرّكها في محاولة منها لفرض واقع استراتيجي جديد.

تعليقاً على هذه الأحداث، أعلن المحلل الإيراني المحافِظ غلام رضا بني أسدي: «انتهى زمن الاعتداء والتهرّب من العواقب. ستؤدي أي ضربة فردية ضدنا إلى رد أقوى بعشرة أضعاف». يعكس هذا التصريح الموقف الإيراني العام بعد الاعتداء الأخير.

يصبّ موقف المحلل الإيراني يوسف مشفيق في الخانة نفسها أيضاً، فهو يقول: «أثبتت إيران أنها تستطيع زعزعة إسرائيل واختراق دفاعاتها عبر استعمال حد أدنى من القدرات وأبسط الطائرات المسيّرة والصواريخ. حتى أن المساعدات القادمة من الولايات المتحدة ودول أخرى عجزت عن التصدي للاعتداءات». يتماشى تحليله مع وجهة نظر شائعة أخرى وسط المعلّقين التابعين للجمهورية الإسلامية، إذ يظن هؤلاء أن العملية العسكرية الإيرانية تجنّبت عمداً استعمال أكثر المعدات تطوراً.

أكد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (الهيئة الرئيسية المسؤولة عن اتخاذ قرارات السياسة الخارجية) على تماشي الاعتداء ضد إسرائيل مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. كذلك، شدّد المجلس على اعتبار تلك العملية رداً محصوراً ضد المنشآت العسكرية دون سواها: «أطلقت إيران حداً أدنى من الإجراءات العقابية اللازمة ضد النظام الصهيوني العدائي لتحقيق مصالحها الوطنية وحماية أمنها القومي. في الوقت الراهن، لا تخطط إيران لإطلاق أي تحرك عسكري آخر».

بعد الهجوم الأخير، يوحي خطاب إيران بأنه يتحدى الفكرة السائدة عن هيمنة نظام الردع الإسرائيلي. ألمح مسؤولون إيرانيون إلى احتمال أن يعتبروا الأصول والمصالح الأميركية في المنطقة أهدافاً محتملة في حال احتدمت الأعمال العدائية.

على صعيد آخر، عبّر قادة إيران العسكريون عن استعدادهم لإعاقة تدفق الحركة البحرية في مضيق هرمز، وهو موقع أساسي لمتابعة عمليات التجارة الدولية. يأتي تصريح القائد البحري لـ»الحرس الثوري» الإيراني في الفترة الأخيرة ليؤكد هذا الموقف، فهو هدّد بإقفال المضيق. يبدو التوقيت الذي اختارته إيران لمصادرة سفينة شحن يقال إنها تعود إلى رجل أعمال إسرائيلي بارز، قبل توجيه ضربتها ضد إسرائيل، عملاً مقصوداً لإثبات مستوى قدراتها. يتماشى هذا التحرك مع استراتيجية الحوثيين في البحر الأحمر، ويشير إلى استعداد إيران لإعاقة الحركة البحرية في الخليج إذا اندلع صراع شامل، وقد يترافق هذا الوضع مع تداعيات تخريبية خطرة على مستوى الاقتصاد العالمي.

أثبت مختلف الأفرقاء السياسيين داخل الجمهورية الإسلامية أنهم يشكلون جبهة شبه موحّدة لدعم الضربات الأخيرة، فقد عبّرت شخصيات محافِظة ومعتدلة وإصلاحية عن دعمها لهذا التحرك. تمنّى الرئيس المعتدل السابق حسن روحاني أن تتعلّم إسرائيل درسها وتوقف تحركاتها العدائية لتجنب رد إيراني قوي. كذلك، صبّ موقف الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي في الخانة نفسها، فهو أشاد بالرد الإيراني واعتبره «مدروساً، وشجاعاً، ومنطقياً، ومشروعاً».

في غضون ذلك، عبّرت شخصيات إصلاحية أخرى عن رغبتها في أن تشكّل الضربات الأخيرة فرصة لمنع تصعيد الوضع في المنطقة عبر الوسائل الديبلوماسية. يقول محمد حسين خوشفاغت، رئيس تحرير الموقع الإخباري الإصلاحي «فارارو»: «حتى في زمن الحرب، تحاول الأطراف المعنية ألا تحرق كلّ الجسور وراءها، فتُبقي المجال مفتوحاً أمام التفاوض وحل المشكلة عن طريق الحوار».

كذلك، يقول النائب الإصلاحي مسعود بيزشكيان: «إذا اتفقت إيران والولايات المتحدة على منع اندلاع حرب جديدة، يمكننا أن نوسّع نطاق ذلك الاتفاق كي يشمل مجالات أخرى».

في الوقت نفسه، عبّر جزء آخر من المجتمع المدني الإيراني، الذي يشمل مدافعين عن الديموقراطية والمنظمات العمالية، عن معارضته للحرب بعد الهجوم ضد إسرائيل. وقّعت أكثر من 350 شخصية من المجتمع المدني، بما في ذلك مدافعون بارزون عن حقوق المرأة وطلاب قياديون، على بيان ذكروا فيه ما يلي: «نحن، الناشطون في المجتمع المدني، نظن أن مواقف دعم الديموقراطية تبقى متداخلة مع رفض الحرب، ولا يرتبط هذا الخطاب بالتيارات الداعية إلى الحرب، سواء صدرت هذه المواقف عن الجمهورية الإسلامية أو المعارضة المزعومة».

على صعيد آخر، أصدرت أربع نقابات عمالية مستقلة (الاتحاد الحر للعمال الإيرانيين، والمجلس التنسيقي للجمعيات التجارية للمعلمين الإيرانيين، وتجمّع المتقاعدين المتّحدين، ومجلس المتقاعدين في إيران) بيانات على صلة بعواقب الحرب الوخيمة بالنسبة إلى الإيرانيين. كذلك، عبّرت نسرين ستوده، محامية معارِضة معروفة، عن اعتراضها على الحرب، فأعلنت صراحةً: «نحن لا نريد الحرب تحت أي مسمّى».

لكن منذ حصول الهجوم ضد إسرائيل، كثّفت الحكومة الإيرانية حملة قمع المعارضين، لا سيما الانتقادات الموجّهة للعملية العسكرية الأخيرة. استدعى السلك القضائي شخصيات سياسية متنوعة، وإعلاميين محترفين، وأصحاب منشورات نقدية، بسبب انتقاداتهم للتحرك الإيراني. تواجه شخصيات بارزة تُهَماً مثل «الإخلال بالأمن النفسي لعامة الناس»، منهم الصحافي وصانع الأعمال الوثائقية، حسين دهباشي، والصحافي والناشط عباس عبدي.

في السياق نفسه، تعهدت المنظمة الاستخباراتية في «الحرس الثوري» الإيراني باتخاذ خطوات صارمة ضد أي مواقف داعمة لإسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعت الناس إلى الإبلاغ عن أي حوادث مماثلة إلى القسم السيبراني فيها.

في النهاية، يُشكّل الهجوم الإيراني على الأراضي الإسرائيلية منعطفاً محورياً في المشهد الجيوسياسي داخل الشرق الأوسط. ربما بقي الاستعراض الاستراتيجي للقدرات العسكرية الإيرانية محصوراً، لكنه يأتي ليُذكّر الجميع بقدرات الردع الناشئة في إيران. لا تُعتبر الخطابات الصادرة من طهران بعد الهجوم مجرّد تهديدات عابرة، بل إنها أشبه بإعلان نوايا جدّي ومستجد ينذر بتقوية الردود ضد أي عدوان إسرائيلي مستقبلي.

MISS 3